** يظن البعض أن الانتخابات فقط هي التي تكتسب
شرعية تعزز شرعية الحكم ، ولكن كثير من الأحداث يمكن أن تكتسب شرعية تفوق شرعية
الانتخابات.
** فالانتخابات رغم دقتها في حساب أعداد الاصوات ونسبتها ، ولكنها في
حالة نسبة أمية وجهل وعدم وعي تصل الى أكثر من90 % ؛ يمكن أن تصبح الانتخابات خير وسيلة لفوز المخادعين والمتاجرين بالكلمات وبالدين
ومحترفي الدعاية الانتخابية.
** أما الثورة الشعبية ... رغم عدم الدقة
الحسابية في حصر أعداد الثوار والتي يتحدد بها مدى قوتها ؛ إلا أنها تتميز
بتلقائية وصدق التعبير دون التأثر بوسائل الدعاية ، فمن السهل اقناع الكثيرين
للذهاب الى لجنة الانتخاب وكتابة رأيهم في ورقة ووضعها في الصندوق ؛ ولكن من الصعب
أن تقنع الألوف والملايين بالنزول الى الشارع للتعبير عن الرأي بالهتافات والتعرض
للخطر، وتتميز الثورة أيضا بسرعة تقدير قوتها، وخاصة في عصر يمتلك كل فرد فيه
امكانية التصوير والتسجيل والنشر.
** ويرجع صدق
التعبير في الثورة إلى أنه ليس مبنيا على انفعالات لحظية في حالة عارضة ، وانما هو
تعبير صادق نتيجة التراكم التدريجي للأسباب والدوافع التي أدت الى التصريح بهذا
التعبير، لذلك لابد من احترام الثورة وشرعيتها والعمل على تلبية مطالبها ، وان
اغفال شرعية الثورة وتجاهل مطالبها يمكن أن يؤدي الى مهالك كثيرة منها الحروب
الأهلية بين ما هو مؤيد ومعارض.
** ويؤدي أيضا عدم الحسم واتخاذ قرارات نافذة
الى زعزعة الاستقرار ، والاستقرار ليس شيئا هينا بل هو أساس قيام الدولة ، وأساس
شرعية الدولة والحكم ، وكثير من الشعوب التي افتقدت الأمن والاستقرار يتمنونه حتى
ولو كان تحت نظام حكم ديكتاتوري شديد القسوة .
** أما عن الانقلاب ... فيعتبر أيضا ثورة ولكن القائمين بها ليسوا من
عامة الشعب وانما من الخاصة الذين لهم مراكز قيادية في هيكل الدولة .
** ويتم التخطيط
للانقلاب بين القائمين به بدون علم عامة الشعب ، لذلك فهو يحدث بطريقة مفاجئة ومن
الصعب التنبؤ به ومن هنا جاء اسم الانقلاب ، بعكس الثورة الشعبية التي يمكن التنبؤ
بنموها واشتعالها عن طريق ملاحظة اتجاه الرأي العام والاعتراضات التي تسبق احتدام
الثورة والتي يمكن ملاحظتها في الشارع أو أماكن التجمع أو الاجتماعات الرسمية
والغير رسمية .
** والانقلاب رغم أنه يحدث من خاصة من الشعب إلا أنه يكتسب شرعيته أيضا
عندما يؤيده الغالبية دون الاعتراض عليه ، ويتم الاعتراف بالانقلاب داخليا ودوليا
تماما كمثل الاعتراف بالانتخابات أو بالثورة الشعبية.
** وقد تكون أحداث
23 يوليو 1952 نموذجا للانقلاب الذي أيده الغالبية الساحقة من الشعب ولم يعترضوا
عليه ، بل وجدوا فيه آمال كثيرة يتطلعون اليها .
** وبالرجوع الى أحداث30 يونيو2013 نجد
أنها ثورة شعبية حقيقية نموذجية بدأت تدريجيا منذ30يونيو2012 منذ أن استشعر
الكثيرين من الناس ببداية أو احتمالية اثارة التفرقة بين الناس بناء على انتماءاتهم
الدينية .
** ثم نمى هذا
الشعور وانتقل من الكثيرين الى الأغلبية
** وبدأت جذور
الثورة بوقفات احتجاجية تزداد أعدادها يوما بعد يوم، ثم حركة (تمرد) التي جمعت
ملايين التوقيعات من عامة الشعب للاعتراض على حكم مرسي .
** وبمرور
الشهور بدأت الأغلبية المؤيدة لمرسي والأخوان في التراجع مقابل زيادة المعترضين .
** واستمرت
الثورة كاحتجاجات واعتصامات في الشوارع العامة لدرجة أنها أصبحت وكأنها مجدوَلة
زمانا ومكانا ، واستمر هذا الحال إلى أن
تم الاتفاق بين عامة الشعب - عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي - أن يكون 30يونيو2013
ثورة عارمة على حكم مرسي والاخوان والمطالبة بانتخابات جديدة .
** وكان من
نتائج تطور الاحداث أن تحرك الجيش لأداء مهمته في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد،
فالجيش لم يتحرك إلا يوم3 يوليو2013 بعد ثلاثة أيام من احتدام الثورة ووصولها إلى
ذروتها وأصبحت على وشك التحول الى أحداث عنف نتيجة تعطل جميع الأعمال والاضطراب
الذي أصاب كل مقومات الدولة في هذه الفترة.
** وتم اصدار
بيان الجيش والازهر والكنيسة بعزل مرسي وتولي عدلي منصور رئاسة الجمهورية بصفة
مؤقتة .
** وساد الشعور
بالاطمئنان وأمل جديد في حكومة جديدة قوية تقضي على الفوضى والانقسامات الحادة
التي لا تبشر بخير .. وهدأت الأحوال واختفت أصوات الرافضين للثورة وسط اجتياح أصوات
الملايين المؤيدة لثورة30 يونيو 2013وتدخل الجيش وساد الهدوء والاستقرار في الشارع
المصري .
** وبعد أيام من
ثورة الملايين والتي بلغت من قوتها إلى حجب كل الأصوات المضادة لها ؛ حدث أن اعتصم
آلاف من المؤيدين لمرسي والمعارضين لتلك الثورة، وكان ذلك في ميدان رابعة العدوية
في القاهرة وطالت مدة اعتصامهم لأكثر من شهر، ولم يتخذ الجيش أو الشرطة أي اجراء
عنف تجاههم، وازداد عددهم مما جعل الوضع يزداد حدة ، وأصبحت كثير من المصالح
والهيئات معطلة وأصبحت البلاد مهددة وغير آمنة وازدادت حالات السرقة والنهب،
واحتمالات حرب أهلية بين المؤيدين والمعارضين وكأنها حرب (بين المؤمنين والكفار) .
** وتم توجيه
التحذيرات والإنذارات للمعتصمين من قبل الشرطة والقوات المسلحة ولكن دون جدوى
مما اضطر الجيش تحت قيادة السيسي أخذ تفويض من عامة الشعب لفض هذه الاعتصامات، وهبـّت
الملايين يوم26/7/2013
أمام كاميرات
العالم كله لتفويض السيسي لفض الاعتصامات ولانهاء حالة الفوضى التي
كانت على وشك ان تصيب البلد.
** تم فض
الاعتصامات بالقوة وكان ضحيتها العديد من الشباب الذين خدعوهم قادتهم بالاستمرار
أمام نيران الشرطة والجيش وأوهموهم وكأنهم في حرب مقدسة.
** ثم استثمر
المعارضون لثورة30 يونيو حادثة فض الاعتصامات بالقوة والعنف الاضطراري
بالترويج لموقفهم مستخدمين شعار (رابعة) للتهديد بالانتقام
من السلطة الحاكمة ومن ملايين الثوار الذين كانوا سببا في نجاح ثورتهم.
** استمر المعارضين للثورة في الترويج بأن أحداث 30/6 ليست ثورة شعبية وانما انقلاب من الجيش، وكان ذلك تحقيرا واستخفافا بملايين الثوار الذين خرجوا في 30/6 وما قبلها وكأنهم مثل الدواب الذين قادهم السيسي (المنقلب) لكي يقتنص البلاد ويفوز بها كأنها فريسة يريد التهامها.
** وقد كان هذا
التضليل السافر والساذج من قبل المعارضين (الاخوان والربعاوية وغيرهم) سببا في
تمسك المصريين بحكم الجيش الذي لم يضللهم والذي حمى البلاد من الفوضى.
** وظل هذا التأييد في ازدياد واضح رغم تدني الحالة
الاقتصادية نتيجة طول مدة عدم الاستقرار ولأسباب أخرى
** لم يستغل
السيسي التأييد الشعبي له في الانصراف عن المشروعات التي بدأها، وظل يحارب في عدة
جبهات:
جبهة التطرف
وجبهة الفساد، حيث تم هدم آلاف كثيرة من الأبنية المخالفة، وازالة كثير من
العشوائيات السكنية والتجارية، والقيام بمبادرات شجاعة في مشروعات كبيرة.
** وبدا واضحا
وجليا أن ثورة30 يونيو ثورة حقيقية سوف يذكرها التاريخ بأنها بدأت منذ 30/6/2012 حتى
30/6/2013، وأن لها شرعية لابد من احترامها ، وأن تدخل الجيش كان سببا في تحقيق
أهداف الثورة ولو لم يتدخل لأصبح الحال أكثر سوءا ، والبرهان واضح لمن يتابع حال
الدول المجاورة التي قامت بها ثورات شعبية أدت إلى حدوث الفوضى وعدم الاستقرار.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق