مما لا شك فيه أن تسجيل الصوت والصورة الذي بدأ مؤخرا كان له الاثر في تغير وجهات النظر والاقتناع بما يسمى بالحقائق التاريخية .
حيث تحولت كلمة حقيقة تاريخية تعبيرا مجازيا لا يعبر عن الواقع، لأن الحقيقة تعني الشيء المؤكد المتفق عليه من الجميع ، واذا لزم الامر لاستخدام هذا المصطلح فيمكن استبداله بكلمة الأحداث التاريخية ، أو الافتراضات التاريخية ، أو غير ذلك .
لأن التاريخ حكايات يتناقلها افراد البشر، عبر أجيال متتالية ، وخلال الفترات الطويلة تمر الحكايات على أشخاص يختلفون في فهمهم وتفسيرهم وأهوائهم باعتبار أن المجتمع البشري ليس مجرد عيون وآذان لتلتقط الصوت والصورة انما يضاف الى ذلك آراء ووجهات نظر وأهواء وضمائر .
ويمكن تشبيه تأريخ الأحداث بتصوير نسخة من نسخة بواسطة آلة تصوير غير دقيقة ، فبعد تكرار النسخ ستكون النتيجة نسخة مختلفة عن الأصل تماما
ومن الاحداث التي تثبت ان التاريخ يتعرض للتزييف بعد قليل من السنوات أن حادثة رية وسكينة رغم أنها موثقة في المحاكم بالمحاضر والجلسات إلا أنها تعرضت للتشويه .
ووصل الأمر الى أن بعض المزيفين أشاعوا أن رية وسكينة واعوانهن كانوا مناضلين ضد الاحتلال الانجليزي ، حدث ذلك ولم يمض على هذه الحادثة مائة عام ، فما بالكم بأحداث تاريخية منذ آلاف السنين ولم تترك آثارا مكتوبة أو مرسومة .
هذا إلى جانب المشككين في هبوط الانسان على القمر وادعائهم بأنها كانت تمثيلية أمريكية ، وصدّقهم الكثيرون رغم أن هذا الحدث كان موثقا بالصوت والصورة .
كل ذلك وغيره يجعل من الصعب تصديق ما يسمى بالحقائق التاريخية ، وأنه من العبث أن تثار الاختلافات والصراعات حول أحداث تاريخية لم يتم توثيقها بالصوت والصورة .
كما أنه من الصعب - بل من المستحيل - تصديق قوافل تجارية أولها في الشام وآخرها في مصر . وأحداث تاريخية يذكر فيها تعداد الجيوش الذي بلغ مئات الالوف في زمن لم تتطور فيها وسائل التسجيل أو الكتابة ... وان صحت هذه الأرقام لاستطعنا أن نجد آثارا باقية للسجلات التي تحتوي على تفاصيل هذه الارقام ... وهذا لم يحدث ولم تبق من الاثار إلا حكايات تبدو كأنها مؤلفات من وحي الخيال.
ومن الصعب ايضا تصديق الحادثة التي يقال فيها أن مكتبة بغداد تم تدميرها والقاء المخطوطات في النهر حتى تغير لون النهر بلون الحبر
ومن الصعب أيضا تصديق أن صلاح الدين الايوبي -عزل الرجال عن النساء لكي يمنع تناسلهم ، للقضاء على الفاطميين ،
أقاويل كلها لا أعتقد أنها يمكن أن ترقى الى مجرد أحداث تاريخية وانما يمكن القول إنها حكايات مزيفة عن عمد أو عن جهل أو عن اضطراب في التفكير .
لا يبقى إلا أن نقول أن الحقيقة لا يعلمها إلا الله - خالق هذا الكون الكبير الغير محدود - ولا يجب أن يكون اختلافنا وتصارعنا حول أقاويل لا يساندها صوت ولا صورة ولا عقل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق