على هامش المذكرات الشخصية (1)



((((( على هامش المذكرات الشخصية )))))
** علمتني الحياة أن للخصوصيات درجات كثيرة ، فمنها ما يحتفظ بها الشخص لنفسه فقط  ولا يفصح عنها حتى لأقرب الناس اليه . ومنها ما يمكن الافصاح عنها لأقرب الناس اليه فقط
** أما النوع التالي من الخصوصيات فقد وجدت أنها قابلة للعرض على عامة الناس ووجدت أن عرضها قد يفيدني ويفيد الغير باعتبار أنها تحمل خبرات سابقة يمكن الاستفادة منها .
** كما أرجو أن يعرف القارئ أن المذكرات المجمعة يمكن اعتبارها كالمواد الخام التي تصلح للتهذيب والتطوير وأنها ليست عملا أدبيا محكما بل قد تكون مبعثرات تحتاج الى كثير من الترتيب والتهذيب .
** وأرجو أن يعرف القارئ أنني قد حاولت كثيرا بقدرالامكان أن أقدم المذكرات بترتيب زمني دقيق ولكني وجدت صعوبة شديدة في ذلك ، قد يكون ذلك لقلة خبرتي وحرفيتي في هذا المجال ، وقد يكون لتزاحم الافكار الملحة التي اتعجل بتقديمها ، وقد يكون نتيجة اضطرابات الذاكرة مما يجعلني أنسى بعض الاحداث  فاقدمها مؤخرا .
** كما أرجو أن يعرف القارئ أن هذه الصفحات تم اختيارها من مذكراتي الشخصية الخاصة جدا بعد حذف الكثير منها مما لا يصلح للنشر للعامة .

 (( الهدف من كتابة المذكرات ))

** ومن الأسباب التي دفعتني الى الكتابة قد تكون رغبتي في البحث وتفسير الأحداث المحيطة والتي وجدتها كثيرة وتستحق الكثير من الوقفات والتأملات .
** لا أجد شيئا كاملا أو ثابتا فكل شيء عندي قابل للتغير والتعديل حتى كتابة هذه المذكرات  فأنا لا أستطيع اعادة كتابة صفحة واحدة منها بدون القيام  بعملية تعديل لها  ، كذلك فانني لا أستطيع الاحتفاظ بنظام واحد في العمل أو في ممارسة أي شيء وأرغب دائما في التطوير ولدي قناعة تامة بأن اليوم أفضل من أمس ، وأجد أنني بالأمس كنت جاهلا أو ساذجا بالنسبة لليوم ، وقد أكون ساذجا اليوم بالنسبة للغد .
** لا أجد شخصا كاملا أو مثاليا من حيث الصفات الخلقية أو الجمالية ولا أعترف بكلمة مثالي ، وانني أرى كل شخص بل كل شيء يظهر أمامي كأنه عالم بأكمله يمتلئ بالاسرار التي يجب السعي وراء اكتشافها .
** لم أشعر بالرضا التام عن أي شيء ولدي رغبة ملحة دائما في التعديل للأشياء وفق آرائي وأفكاري الخاصة .
(( الأوراق خير صديق ))
** شعرت كثيرا بالاغتراب عن الآخرين ولذلك لم أجد الصديق الذي أستطيع أن اصارحه بكل شيء ، وقد يكون هذا  من العوامل التي دفعتني الى التعامل مع الأوراق واعتبرتها الصديق الوحيد الذي أستطيع أن اصارحه دون خوف والصديق الذي لا يمل أبدا من كثرة الثرثرة .
** صادقت الأوراق واعتبرتها خير مستمع وخير معلم فهي تعلم الانسان الصراحة مع النفس والتفكير الموضوعي الغير متحيز والدقة والتأني في الحكم على الأمور .
** وقد يكون سبب تفشي الكذب والخداع في مجتمعنا المصري هو اننا افتقدنا الوقت الذي نجلس فيه مع أنفسنا ومصارحتها وأن أوقاتنا معظمها مستهلكة في العلاقات الحميمة والتحدث الى هذا وذاك  وعن هذا وذاك .
** بل أنني أعتبر أن كثير من الناس اعتادوا على خداع أنفسهم من كثرة ما يمارسونه من الكذب أو المجاملة مع غيرهم .
** ومن الأسباب التي دفعتني أيضا الى كتابة المذكرات اقتناعي بأن حياة الفرد مهما طالت زمنيا فهي قصيرة جدا بالنسبة لحياة البشرية والحياة الكونية وبالنسبة لبقاء القدرة الإلهية والقوانين الأبدية .
** ولإيماني بهذه الضآلة الشديدة لحياة فرد في الكون الكبير وجدت أنه من الأفضل تسجيلها على الأوراق التي هي اكثر بقاءا ، وأن التسجيل بالكتابة يحمي شخصية الفرد من التشوه والفهم الخاطئ فالكثير من الأفراد يرتفعون الى مكانات غير حقيقية بعد موتهم فقد يعتبرهم البعض ملائكة ، وقد يعتبرهم البعض كالشياطين .
** والسبب الأكبر الذي جعلني أكتب هذه المذكرات هو ضعف قدرتي على الكلام والتحدث في المواقف الاجتماعية نتيجة نشأتي الأولى في مجتمع مغلق .
** وقد يكون سبب آخر وهو تدفق غزير لأراء خاصة جدا عن كل شيء وعدم رغبتي في الاعلان عنها شفويا خوفا من الصدامات مع الآخرين واهدار الوقت والجهد في هذه الصدامات .
** وليعلم القارئ أن ما أقدمه في هذه المذكرات ليس سردا لقصة وانما سردا لكتابات متنوعة منها الحكايات والآراء والخواطر هذا بالاضافة الى  ما بين السطور من استنتاجات .
** وأتمنى أن تكون هذه المذكرات مادة بادئة يمكن الاستفادة بها في أبحاث أكاديمية، وليعلم القارئ أن هذه الكتابات لم تخرج استعراضا لألفاظ ، وانما تخرج معبرة عن حياة شخص عادي له خبراته التي يمكن اضافتها الى خبرات الآخرين .
** كما أرجو من القارئ أن يقدر جهدي في استرجاع كثير من الاحداث وأن يغفر لي بعض الأخطاء في الأسلوب أو في اللغة .
** كما أرجو أن تكون هذه المذكرات دعوة صريحة لكل شخص  لكي يقدم على كتابة مذكراته ومراجعتها باستمرار لأنها بلا شك وسيلة لمراجعة النفس ومحاسبتها بدلا من تركها كالريشة التي تتلقفها التيارات .
(( جهد كبير وأخطاء كثيرة ))
** أرجو أن يعرف القارئ أن الكتابات التالية هي نتاج العديد من الكتابات المجمعة التي أتخلص منها فور تجميعها .
** ولكن المذكرات التي لا يمكن التخلص منها هي رسائل كنت ابعث بها الى اسرتي أثناء دراستي في المدينة الجامعية وأثناء سفري في العراق وما يوجد ببعض الأوراق التي أجد بها قيمة تذكارية .
(( الخوف من ضعف الذاكرة نتيجة تقدم السن ))
** ومن أسباب تجميع المذكرات أيضا الخوف والقلق من ضعف الذاكرة نتيجة تقدم السن فقد يكون لاسترجاع الذكريات وكتابتها تنشيطا للذاكرة .
 (( حاد المزاج ))
** ويقال أنني كنت طفل حاد المزاج سريع البكاء لا يقبل أي رضاعة صناعية ولا يقبل مفارقة أمه ولا يميل الى الاختلاط  كثيرا بالاخرين .
** ويقال أنني رغم تأخري في تعلم الكلام الا أنني تعلمته بسرعة وفي فترة زمنية قليلة نسبيا .
** ورغم عدم تناولي لأي أطعمة أثناء الرضاعة الا أنني في يوم الفطام  تناولت لأول مرة كمية كبيرة من الطعام وكانت مفاجأة للأسرة انني التهم كثيرا من أصابع الموز ولم يكن متوقعا أن يحدث مثل هذا التحول السريع في نظام الغذاء .
(( مرحلة الطفولة المبكرة ))
** كانت أحداث هذه المرحلة في فترة ما قبل دخول المدرسة والسنوات الأولى من الدراسة الابتدائية  لذلك فإن هذه الاحداث سوف أعرضها كصور غير واضحة  كما لو كانت صورا من الاحلام  تماما كما اتذكرها وليست تماما كما حدثت بالفعل .
(( القلق من تأخر الوالد عن الحضور في موعده ))
** في يوم آخر يتأخر الوالد عن ميعاد عودته من العمل قليلا فيبدأ قلق الأسرة واذا طال التأخير يزداد القلق والاضطراب ، وفي الحقيقة أن الأطفال في السن الصغيرة لا يقلقوا ولا يضطربوا من أجل تأخر الوالد وانما يحدث ذلك  نتيجة القلق الذين يحسونه من أمهم ، ورغم صغر سني في هذه الفترة الا انني كنت الاحظ نفسي أكثر قلقا من اخوتي ، وقد يرجع ذلك الى خيال واسع يصور لي عواقب كثيرة مخيفة ، واتذكر أن قلقي كان يشبه البكاء الصامت ، بل أنه كان بكاء حقا بلا دموع ، أخفيه عن سائر أفراد الاسرة حتى لا أصير غريبا عنهم ، ولم يحدث هذا الاحساس فقط عند تأخر الوالد ولكن عند تأخر أي فرد من أفراد الأسرة .
** وعندما يأتي الوالد بعد تأخره تهدأ القلوب وتعود الطمأنينة ونعرف أن سبب تأخيره ذهابه لتعزية أحد الزملاء وما شابه ذلك .
 (( كلمة أجازة ))
** في أحد الأيام وقبل التحاقي بالمدرسة الابتدائية (أربع سنوات)  تأتي أختي التي تكبرني بسنة بعد عودتها ظهرا من المدرسة ، فتعلن أن عندها أجازة في اليوم التالي ، فأتعجب أنا لهذه الكلمة الجديدة (أجازة) وأقول لوالدي أو والدتي : أنا عايز أجازة  ، كما لو كانت الأجازة شيئا يؤكل أو يشرب  ، واتذكر أنني أحسست بالحرج عندما علمت أن كلمة أجازة تعني عطلة مدرسية وليست نوع من الغذاء وما شابه ذلك.
** ويبدو أن هذه الواقعة  أثرت كثيرا في نفسي لدرجة أنني تذكرتها رغم أنها حدثت في سن اربعة سنوات.
(( توهان ))
** في نفس هذه الفترة كنت أخاف النزول بمفردي الى الشارع لأنني أجهل ذلك العالم الخارجي الذي لا أراه الا من البلكونة أو عند خروجي مع الاسرة ، ولكن في أحد الايام تأخرت أختي عند البقال الذي على ناصية الشارع ، عرضت علي والدتي  النزول في ذلك اليوم اليها لاستعجالها ، فقبلت بسرعة وبدون تردد وكان ذلك غريبا عليهم ، اذ وجدوني أنزل  السلالم ركضا بعد أن كنت أخاف النزول درجة واحدة من درجات السلم بمفردي، مشيت في الشارع فوجدته أكثر غرابة عما أشاهده من البلكونة أو مع اسرتي .
** كان الشارع يبدو أكثر طولا وعرضا والأبنية أكثر ضخامة ربما يرجع ذلك الى نسبتها الى حجمي الصغير ، هذه الدهشة أنستني الهدف الذي من أجله خرجت .
** مشيت متأملا للمباني الضخمة ، واتذكرها في ذلك اليوم انها كانت بيضاء اللون وينتج عنها صوت غريب ، علمت بعد ذلك في الكبر انها قد تكون مصانع النسيج التي تبعد عن المنزل بمقدار محطة اوتوبيس صغيرة .
** بعد ذلك لا أذكر كيف كانت عودتي للبيت، وقيل أن أحد الجيران عرفني وأوصلني الى البيت .
** وفي الحقيقة أن هذه الحادثة لا أتذكر وقائعها متسلسلة وانما على هيئة صور باهتة متقطعة في ذاكرتي  ، قمت بترتيبها عن طريق حكايات الآخرين .
** بعد هذه الحادثة منعوني من الخروج بمفردي الا بعد فترة من الاختبار وكانوا يرسلونني لشراء الحلوى والأشياء البسيطة من دكان قريب جدا من المنزل وتحت مراقبتهم  لي من البلكونة أو من السطح .
** وأتذكر أنني عندما أنجح في هذه المهمة أرجع الى المنزل ركضا كما لوكنت قد أنجزت عملا كبيرا
 (( شرط الاستئذان ))
** وهكذا حتى أصبح خروجي من المنزل شيئا عاديا لكن على شرط الاستئذان من والدي أو والدتي ، بل كان من الواجب الاستئذان حتى من أجل الصعود الى شقة الجدة .
 (( أمام السبورة السوداء ))
** أتذكر في هذه السن جلوسي أمام السبورة القديمة السوداء في المنزل ومحاولة رسم أفراد الاسرة  بالطباشير الذي تجلبه أختي من المدرسة .
** ومن المناظر التي أتذكرها على السبورة بيتنا كاملا بالاربع طوابق والسلالم التي توجد عليها القطة ، وداخل الشقة أختي نائمة وأمي تكوي الملابس على الترابيزة .
** أتذكر الراديو الذي تظهر من خلفة اللمبات الخافتة الاضاءة  في الليل والتي أعتقدت انها تضيء لذلك النوع من المخلوقات الذين يتحدثون بداخل الراديو ولكن هذا الاعتقاد لم يدم طويلا ، فسرعان ما أجيب على نفسي باستثارة أفكاري السابقة .
(( بين الكتب القديمة ))
** أتذكر أيضا جلوسي بين الكتب القديمة ذات الرائحة المميزة التي أتذكرها حتى الآن  ، وأقلب في صفحاتها وفي أحد الكتب وجدت صورة الذئب الذي يخطف طفلا صغيرا  ويمسكه بين أسنانه ويجري به وأبويه يصرخان من بعيد بجوار كوخهما ، كانت هذا المنظر يرعبني لدرجة أنني كنت لا أتحمل الاستمرار في مشاهدته أكثر من ثواني قليلة بعدها أقلب الصفحة بسرعة ، واتذكر أنني كنت أشعر باضطراب شديد وارتفاع نبضات القلب لمجرد رؤية هذه الصورة ، وبعد ذلك أصبحت أشعر بنفس التأثير لمجرد رؤية غلاف هذا الكتاب بدون تقليب في صفحاته  ، واستمر هذا الاحساس نحو هذا الكتاب حتى سن العشرين .
(( أول رؤيتي للمطر ))
** أتذكر أحد أيام الشتاء البارد والمرة الأولى التي تعرفت فيها على المطر وكان ذلك من خلال زجاج النافذة وكنت أطلب من والدتي أن تفتح الشيش لكي تتيح لي فرصة مشاهدة قطرات المطر المتساقطة على الزجاج .
(( النظر الى السماء ))
** أتذكر الليالي الصيفية التي كنا نقضيها جالسين في البلكونة الحديد والأسرة من حولي يجلسون على الأرض أو على الكراسي أو واقفين ويتكلمون كلام الكبار الذي لا أفهمه ، وأنا لا أدير لهم بالا في أغلب اللحظات وانما اضطجع على ( حجر) أمي وأحيانا على احدى المخدات وانظر الى السماء والى النجوم المتلالئة والى القمر الذي يبدوا وكأنه يسير وسط السحب يتنقل من سحابة الى أخرى .
** وأسرع بعقلي الصغير متفكرا الى أين يذهب القمر ، الى نهاية الأرض ؟  ما هي نهاية الأرض ؟ ربما يكون البحر هو نهاية الأرض لأننا نسير مسافات طويله حتى نبلغه بل نركب السيارات أو الترام حتى نصل اليه .
(( نهاية الأرض ))
** أقوم فجأة واقطع أفكاري المتسلسلة  وأقطع أحاديث الأسرة واسأل والدي ما هي نهاية الأرض  فيجيبني بأن الأرض كروية ، أسكت قليلا وكأنني اقتنعت بهذه الاجابة  ثم أسأله مرة أخرى ما هو ربنا ، وعندما لا أجد الردود المقنعة اعتقد أن ربنا هو الرجل العجوز السمين ذو الشعر الأبيض واللحية الطويلة الكثيفة البيضاء  والذي ياتي الينا كل فترة لاصلاح بوابير الجاز ، لا .. ربما يكون هذا الرجل هو رمضان الذين يتحدثون دائما عن قدومه ، لا.. ربما يكون ربنا أكبر من ذلك ربما يكون ذلك السحاب الكثيف  الضخم ذو التشكيلات  الغريبة .
 (( خروف العيد لم يكن فرحة ))
** اتذكر الخروف الذي كان يشتريه والدي قبل عيد الاضحى بيومين ، لم يهمني اللعب مع الخروف بقدر ما كان يهمني مراقبته وهو يتناول الطعام وهو يتحرك ويصيح وعندما يأتي ميعاد الذبح بعد صلاة العيد ادير وجهي حتى لا أرى عملية الذبح .
** أذكر السطح الممتلئ بالدماء ورأس الخروف المنفصلة عن جسده ، واتذكر الرعب التي كنت أشعر به .
(( أحلام مزعجة ))
** وامتدت حالة الرعب الى الأحلام حيث كنت أحلم بمجموعة من الكلاب والحيوانات تطاردني وأنا أجري أمامها بسرعة شديدة حتى أقع في حفرة من شدة التعب ثم استيقظ من النوم مذعورا واشعر بهبوط شديد كما لو كنت أسقط من ارتفاع عالي ولم أصل بعد الى الأرض  واكتشفت أن هذا الحلم يقولون عنه فيما بعد كابوس .
** واتذكر أن الأحلام المزعجة  كانت تحدث في يوم مشاهدتي لدجاجة تذبح أو قطة تقع من شباك أو شخص يأخذ حقنه وما شابه ذلك .
** ليست الأحلام وحدها كانت مزعجة بل التهيؤات وكثيرا ما كنت أنزعج لرؤية حيوان يتألم أو انسان يبكي
 (( كتكوت مميز ))
** اتذكرفي هذه السن الصغيرة اختياري لأحد الكتاكيت  التي تربيها الجدة واعامله معاملة خاصة وأقدم له الغذاء بنفسي واتابعه من حيث النمو وظهور الريش  واراقبه أثناء حركاته وصياحه ، واشعر بالسعادة لهذه العلاقة وخاصة عندما يقال أن هذا كتكوت علاء ، ولكني كنت أشعر بالحزن لمرض الكتكوت أو لموته .
** وغالبا ماكان اختياري لهذا الكتكوت لصفة خاصة مميزة مثل اللون الاسود المكروه أو ذو الرقبة العارية ( الشركسي) وقد تكون هذه الاختيارات بداية لتعاطفي مع المخلوقات الضعيفة والصغار بوجه عام والذي سوف اتحدث عنه فيما بعد . 
** هذا الى جانب الأرنبة التي ولدت في البلاص والتي كنت ألعب بصغارها واضعها في جيبي أحيانا وأقلد ما بفعله الحاوي .
(( مرحلة المدرسة الابتدائية ))
** عندما دخلت المدرسة كان عمري أقل من 5 سنوات بشهرين وكانت المدرسة هي التي تعلمت فيها والدتي وهي مدرسة خاصة تتبع جمعية النهضة النوبية . 
** في أول يوم ذهاب الى المدرسة بكيت بكاءا شديدا عندما وجدت نفسي لأول مرة وحيدا منفصلا عن أسرتي  وحملني أحد المدرسين وأذكر أنه الاستاذ / شمس  وعندما يشتد صياحي يشير الى أي مكان ويخبرني أن أمي تنتظرني
**اعتدت الذهاب بعد ذلك إلى المدرسة في السنة الأولى مع أختي علياء التي تكبرني بسنة واحدة ... وكان ذلك بواسطة سيارة صغيرة ( قد تكون تاكسي أو ملاكي)  وكان عدد التلاميذ بها يفوق سعتها.
وكثيرا ما كان يأتي السائق متأخرا  وفي أحيان أخرى كان يأتي مبكرا عن الميعاد .
** واتذكر في أحد الأيام أن غير السائق مساره فأجد ملامح الطريق متغيرة حيث اشاهد ترعة المحمودية مما يدل على ابتعادنا عن المسار اليومي فأبكي بشدة كالمعتاد في هذه السن وكأن السائق  اختطفنا.
** اتذكرجيدا رائحة البنزين التي تعرفت عليه لأول مرة من هذه السيارة.
** ولم يستمر استئجار التاكسي لمدة طويلة ، وقضيت  السنوات التالية في المرحلة الابتدائية مشيا على الاقدام مع أختي واخوتي فيما بعد .
(( معلمة الابتدائي))
** لم أحب معلمة الصف الأول الابتدائي ( ابلة عطيات )  رغم أنها كانت تحبني كثيرا بل أنها في بعض الاحيان تضرب تلاميذ  الفصل كله ولا تضر بني ،  وكان سبب كرهي لها أنها كانت شديدة القسوة على التلاميذ  ، وازداد كرهي لها فيما بعد عندما عرفت أنها تعنف أخي لضعفه في الدراسة
 (( أول ذهاب للسينما ))
** أتذكر أيضا أول يوم للذهاب الى السينما كان في رحلة مدرسية في الصف الأول الابتدائي في عمر5سنوات  ولا أذكر في هذا اليوم إلا الظلام والاشكال الغريبة التي تتحرك على الشاشة الكبيرة علمت أنها كانت أفلام كارتون ... أتذكر أنه بعد اضاءة الصالة أو خروجي منها اتفحص الاعلانات الملصقة على الجدران والتساؤل كيف كانت هذه الصور الثابتة تتحرك في الداخل .
** بعد هذا اليوم ( رحلة السينما )  انقطعت فترة طويلة عن الذهاب الى السينما 5سنوات تقريبا وتمنيت كثيرا الذهاب الى السينما وكان يغضبني أن والدي يقول ان التليفزيون بديل عن السينما ـ ولم تتحقق رغبتي في مشاهدة السينما إلا عندما تزوج عمي واصطحبني معه وزوجته في بعض الاحيان ، الى السينما والمعرض والملاهي والنزهة ، وكانت لهذه الاصطحابات مع عمي مذاقا خاصا يختلف عن الرحلات التقليدية مع والدي ووالدتي .
 (( ممارسات زراعية ))
** في بداية اهتمامي بالزراعة في سن مبكرة 5 سنوات أو أكثر كنت أقوم بزراعة بذور الفول على قطنة مبللة كنت أسعد كثيرا برائحة النبات الصغير وكأنني امتلكت الدنيا بهذا العمل ، وكذلك كنت أفرح عندما اضع بصلة في كوب من الماء لكي تنبت أوراقها وتظهر كنبات أخضر ، وبعد ذلك ارشدتني أمي أن اطور هذه الزراعة واستخدم الطينة بدلا من قطنة مبللة في طبق أو كوب الماء ولم أجد مكانا للحصول على الطينة الا دكان العلاف ( رفاعي ) الكائن تحت المنزل بكرموز نزلت الى العلاف لجمع حبيبات الطين التي يستخرجها من الحبوب أو التبن الذي يبيعها وةضعت هذه الحبيبات في صفيحة  وسقيتها بالماء وزرعت بها بعض بذور الفول واكتشفت بعد فترة رائحة غير مقبولة كان سببها عدم وجود صرف بالصفيحة ، تعلمت منذ ذلك بارشاد والدتي أنني لم اثقب الصفيحة التي زرعت فيها ، واضطررت الى أن اتخلص من الطينة وأن احضر غيرها وأقوم بثقب الصفيحة العديد من الثقوب
وبعد سنين قليلة بدأت احصل على الطينة من صفاف ترعة المحمودية والتي كان يختلط معها بذور القطن  التي كانت تنبت مع البذور التي أزرعها وكنت اتركها واراقبها الى أن تنتج الزهرة ثم اللوزة  ثم تتفتح اللوزة ويخرج منها القطن الذي جمعت منه الكثير وملأت به علبة سعتها حوالي نصف لتر 
(( رمضان في الطفولة ))
** أذكر أنني في شهر رمضان أثناء الطفولة  كنت أستمتع كثيرا ببرامج الراديو أثناء فترة السحور ومنها برنامج أحسن القصص ، وصوت امام مسجد الحسين المميز أثناء صلاة الفجر ، هذا الى جانب فوازير راديو  الاسكندرية وفوازير التليفزيون وكنت أشعر بمتعة كبيرة في هذا الشهر رغم العناء في الصيام ، وكانت هذه المتعة تختتم بمتعة عيد الفطر والتكبيرات  الرائعة التي شعرت بافتقادها بعد اختصارها الى ( الله أكبر ولله الحمد )   . 
 (( قطط رضيعة ))
** وفي طريق الذهاب والعودة اتذكر مواقف كثيرة لا تزال عالقة في ذاكرتي ، منها  الأطفال الذين يلعبون  بالقطط الصغيرة الرضيعة ثم يلقونها في بالوعة ممتلئة بمياه المطر  فتغرق القطط الصغيرة أمام عيني دون أن تبدي مقاومة ومحاولة للعوم ، وعندما ارجع الى المنزل اقص على والدتي أو والدتي ذلك المشهد وانا متأثر لهذه الحادثة المفجعة .
** كان الطريق ذهابا وعودة على الاقدام يستغرق يوميا حوالي ساعة هي فرصة كبيرة للتعرف على الكثير والكثير من طبائع مختلفة من  الناس ، اسمع على سبيل المثال شتائم والفاظ جديدة ومعارك بالكلام و بالايدي ، واتذكر أول رؤيتي للص اتي بجوارنا مسرعا وعض اختي في يدها وخطف من يدها عملة معدنية وفر هاربا .
** كنت أنا واختي نطبق تعليمات الوالد مثل الالتفات يمينا ويسارا قبل عبور الطريق وعدم شراء الأطعمة المشتبه في تلوثها .
(( اصابة عيني ))
** وفي أحد الأيام وفي أثناء الصف السادس الابتدائي واثناء مداعبة اختي في الصباح قبل الذهاب الى المدرسة مدت اختي يدها في عيني وجرحتني بأظافرها جرحا خفيفا أدى الى نزول الدموع بغزارة  ، ذهبت الى المدرسة ولكنني بعد الحصة الأولى فوجئت بحضور امي الى المدرسة لتصحبني  الى الوحدة الصحية للاطمئنان على عيني ولاخذ العلاج المناسب 
(( اكتشاف ضعف الابصار ))
** وفي ذلك اليوم وبعد الكشف على شدة الابصار لوحظ ضعف في الابصار ( قصرنظر ) ولكن والدتي اعتقدت ان ذلك قد يكون وقتيا بسبب الاصابة ، ولكنني ايقنت أنني حقيقة أعاني من ضعف الابصار قبل الاصابة حيث أنني لم ارى الكتابة على السبورة جيدا في الأماكن الخلفية كباقي التلاميذ .
** ساد اعتقاد الاسرة ان ضعف الابصار وقتي بسبب اصابة عيني بجرح بسيط  ، واحتفظت باقتناعي لنفسي ولم اطالبهم بعمل نظارة وفضلت الكتمان على هذا الموضوع ولم اصارحهم بهذا الضعف إلا بعد 5 سنوات وعند بداية السنة الثالثة الثانوي عندما لاحظت أننى لا  أرى الكتابة واضحة حتى في الأماكن الأمامية أيضا
** وكان السبب الأول لعدم مصارحتي لهم بضعف الابصار هو أنني كنت أجد الحزن على وجه امي عندما تسمع انني اريد أن أعمل نظارة . وكنت أجد منها عبارات الشفقة والتألم منها عندما تجد شخصا يلبس نظارة طبية سميكة .
 (( شراء البوتاجاز والتليفزيون ))
** في أوائل الستينات اشترينا البوتاجاز واتذكر فرحة شرائه ورائحته المميزة  ثم اشترينا التليفزيون وأتذكر أول برنامج شاهدته عالم الحيوان يوم الجمعة ، والكلبة لوسي ، وبرامج الأطفال وأحبها ما يقدمه ماجد عبد الرازق الذي كنت أفضله عن الكثير من مذيعات برامج الأطفال
 (( لم يكن لي أصدقاء كثيرة ))
**في هذه المرحلة لم يكن لي أصدقاء من المدرسة  يأتون الى منزلنا بل كانت علاقتي مع اصدقائي بالمدرسة تنتهي بمجرد خروجنا من باب المدرسة وعودتي مع اخوتي .
كان اصدقائي في المدرسة متنوعين في طبائعهم وغالبا ما كانوا  من ذوي الطبائع الغير معتادة وعلى سبيل المثال شخص هادئ الطباع – شخص يجيد الرسم – شخص يجيد التمثبل – شخص مبتكر في لعبة ما ... وسوف يأتي الحديث تفصيلا عن ذلك فيما بعد .
** وقد يرجع  اختياري الدقيق لاصدقائي هو رغبتي الدائمة في البحث وعمل المقارنات والخروج  بالتفسيرات لكل شيء غريب .
     (( تأملات في الأمور الدينية ))
** عندما يأتي شهر رمضان تزداد التأملات  في أمور الحياة والموت  والخير والشر والثواب والعقاب .. وخاصة عندما تجتمع الاسرة على السحور والافطار وعندما يتكلمون  عن أصول الدين  ومبطلات الصيام والصلاة واتذكر أنني بدأت صوم رمضان كاملا في الصف الخامس الابتدائي (9سنوات ) أما في  السنوات السابقة كنت افطر في بعض الأيام .
** وفي هذه الفترة أيضا بدأت الصلاة وكثيرا ما كنت أذهب مع والدي لصلاة الجمعة .. وكنت أفرح كثيرا عندما يصلي والدي الجمعة في مسجد بعيد حتى يمكن لي الاستمتاع بالفسحة بعد الصلاة والتجول في شوارع جديدة أو زيارة الأقارب .
(( الاحتفال بالعيد ))
** وكانت فرصة زيارة الاقارب قليلة ولا تحدث الا في المناسبات ، ففي الأعياد كنت أذهب مع والدي في الصباح لصلاة العيد ، وبعد الصلاه نتوجه الى زيارة المقابر حبث نزور قبر جدي الذي كنت أسمع من والدي أنه كان رجلا ( صالحا ) وكان والدي يذكر دائما بأنني أشبه جدي شكلا وطباعا.
** وبعد زيارة المقابر نذهب مع والدي لشراء بعض الحاجيات وشراء البالونات والزمامير بحيث يكون لكل منا بالونته وزمارته الخاصة وقد يكون معها احد اللعب الأخرى ،  ولم يكن التقسيم بالنسبة للعب فقط وإنما لكل شيء سواء الحلوى أو الفاكهة أو العيدية أو المصروف .
بعد عودتي مع والدي الى المنزل نبدأ في تناول افطار العيد على الطبلية ... كعك وشاي  بلبن في العيد الصغير أو فتة في العيد الكبير  وبعد ذلك يبدأ كل منا في ارتداء الملابس الجديدة استعدادا للخروج وأحيانا لا نخرج ونكتفي بارتداء ملابس العيد بالمنزل لمجرد الاحتفال بالعيد .
** وفي كثير من  أيام العيد يصطحبنا الوالد الى قلعة قايتباي  لرؤية وسماع مدفع العيد  ثم الدخول الى المتحف الحربي ومتحف الاحياء المائية أو الذهاب الى المتحف الروماني ولم تكن هذه الزيارات مصدرا  للمتعة والمرح والانطلاق الطفولي بقدر ما كانت زيارات تثقيفية .
ولكنني كنت أشعر بنوع خاص من المتعة والتسلية عندما يذكر والدي أسماء الشوارع التي نمشي فيها ويقول لي على سبيل المثال  هذا تمثال سعد زغلول – محمدعلي – هذا هو الفنار الذي يضيئ للسفن .... الخ
 (( رحلات عائلية ))
** وفي بعض الأيام تصطحبنا والدتي الى حديقة الشلالات  أو حديقة الحيوان أو الى شاطئ البحر  وكان ذلك في صحبة جدتي أحيانا أو في صحبة احدى عماتي مع أولادها أيضا وكانت فرصة لالتقاء الاطفال .
** وفي كثير من الأحيان  يأتي الينا الوالد بعد الانتهاء من العمل  وأحيانا  يرجع بمفرده الى المنزل ويتناول غذاؤه لذي كانت أمي تحضره له بعناية شديدة .
(( الرحلات الأسرية ))
** لم تكن هذه الرحلات الأسرية أمرا سهلا بل كان يعمل لها ألف حساب وتخطيط فليست كل الأيام مناسبة للخروج وكانت الايام المحظور النزول فيها هي :
الجمعة والأحد لأنها أيام عطلات ، يوم الاثنين لأنه عطلة الحلاقين ، يوم الخميس مزدحم لأنه آخر الاسبوع، بالاضافة إلى أيام الاجازات العامة ، وكان ذلك تجنبا للازدحام .
** وكان لابد من المفاوضات  والمناقشات والمجادلات حتى يوافق الوالد على هذه الرحلات الأسرية .
** وفي هذه المرحلة ( المدرسة الابتدائية ) وفي سنواتها الأولى كنت أعتمد في الدراسة أكثر الشيء على البيت واهتمام الوالدة بمتابعتي  في حل الواجبات المدرسية وشرح الدروس
 (( الشيخ أحمد النجار ))
** يتوالى المعلمون والمعلمات ولا اتذكر منهم الا البعض القليل مثل الشيخ أحمد النجار بمنظره الغريب وهو يرتدي ملابس الشيوخ  وهو يشرح كيفية الوضوء والصلاة في درس التربية الدينية  بالصف الثاني والثالث وأذكر أنه كان يطلب ن أحد التلاميذ  احضار سجادة صلاة لكي يعلمنا الصلاة في الفصل
واذكر أيضا عندما كان يشرح لنا الثواب والعقاب الذي سوف يناله الانسان في الحياة الآخرة
واتذكر أيضا عندما كان يشرح لنا كيف تخرج الأشجار والنخيل الكبيرة من البذرة الصغيرة
وقوله ان الله خلق الحيوانات والنباتات ذكورا واناثا وكان يعطي لنا مثالا عن النخيل الذي منه الذكور والاناث
(( اكتشاف قدرتي على الرسم ))
** أتذكر أيضا في حصة هذا المدرس أنني كنت انتبه كثيرا الى هذا المدرس ولشدة اعجابي به رسمته في كتاب الدين واخترت منظر جانبي منه لتوضيح أنفه الكبيرة ،وكان ذلك في الصف الثاني ومنذ ذلك الوقت اكتشفت انني أكثر قدرة من زملائي على رسم الاشخاص وخاصة بمنظر جانبي  .
وبعد ذلك بدأت امارس الرسم واستعرض مهاراتي أمام الزملاء وبدأت أتحرر من مقعدي بالفصل أثناء الخمس دقائق بين الحصص وارسم على السبورة بعض الشخصيات المشهورة مثل جمال عبد الناصر ، ومحمد لطيف ( المعلق الرياضي ) أو بعض المدرسين ذوي الملامح المميزة وكنت اتنافس مع زملائي على الرسم واتفوق عليهم .
(( مدرس الموسيقى ))
**والشخصية الأخرى التي لا يمكن نسيانها في هذه الفترة هو الاستاذ/ اسماعيل صديق وكان ملحنا معروفا بالاسكندرية وكان يقوم بتدريس الاناشيد والموسيقى بالمدرسة
**كان هذا المدرس من أكثر المدرسين جدية في عمله وكان شديد التمسك بارتداء الطربوش والبدلة وكان يثق في أهمية مادته الدراسية ويعتبرها أنها لا تقل أهمية عن العربي والحساب ورغم أنه لم يعلمنا العزف على الالات إلا أنه كان يحفظنا الاناشيد الخاصة بكل مناسبة وكان يختبر تلاميذ الفصل باستمرار من حيث قدرتهم على الغناء معه على العود ويختار مجموعة صغيرة منهم  لعمل فريق كورال بالفصل ويعطيهم مزيد من الاهتمام .
**ومن الاغاني التي كان يحفظها لنا وكنت أحب سماعها وغنائها ( مدرستي محلاها ) وكنت أطرب لاحدى اللزمات الموسيقية بها ، واغنية ( شم النسيم هل علينا ) .
** كان هذا المدرس يهتم بتعليم النوتة الموسيقية وبلغ شوطا كبيرا في تدريس النوتة والتدريب على قراءتها خلال الصف الخامس والسادس الابتدائي .
وفي آخر العام اتذكر انه كان يضم بعض الفصول لاجراء تنافس بينهم على الغناء الجيد وكذلك قراءة النوتة الموسيقية بالصولفيج الإيقاعي
** كان يتعامل مع التلاميذ بحزم شديد في الشرح والاختبار كما لو كانت التربية الموسيقية مادة نجاح ورسوب .
** دفعني هذا المدرس الى الاهتمام بالموسيقى ومذاكرتها رغم عدم وجود آلة موسيقية وعدم احتمال موافقة والدي على شراء آلة موسيقية  للتدريب عليها .
** كنت أنظرالى العود الذي يحمله هذا المدرس وكأنه شيئا مسحورا له قيمة كبيرة وكنت لا أملك إلا التمني بالحصول على عود ، والتدريب عليه  .
** كان هذا المدرس بعد قيامه بعمله في الشرح والتدريب يبدأ في عزف بعض الجمل الموسيقية ويدونها بالاوراق ويبدو أنه كان يلحن ويكتب ألحانه حتى لا ينساها
واستطعت بذلك أن أفهم معنى التلحين وعرفت ان الاغنية لكي تخرج الى الناس يجب أن يكون لها مؤلف وملحن وعازف ومغني وانها ليست عملا بسيطا ارتجاليا كما يعتقد البعض .
** ويعتبر هذا المدرس أيضا هو أول شخص يشجعني على الاستمرار في ممارسة الرسم عندما علم من زملائي أنني متفوق في الرسم فكان يطلب مني في حصة الموسيقى كراسة الرسم ويتصفحها بدقة ويطلب مني بالحاح شديد ألا اترك الرسم طيلة حياتي ، وظل يستمر في هذا الطلب حتى بعد انتهاء دراستي في المدرسة الابتدائية وعندما كنت أذهب لزيارته بالمدرسه وفاءا له
** ولم يكن غيره في المدرسة يوجهني في الرسم ،وفي الحقيقة أنه لم يكن توجيها بقدر ما كان ترغيبا لي في الرسم والاستمرار في هذه الهواية فقد كان يرسم لي في كراستي شخصيات ميكي ماوس لكي يشجعني على تقليده
(( التأثر بوفاة مدرس الموسيقى ))
** واستمر ترددي على المدرسة الابتدائية في فترات متباعدة حتى السنة الأولى الجامعية الى أن علمت بوفاته وتأثرت كثيرا لوفاته وشعرت انني افتقدته وأن المدرسة لم يعد لها  الأهمية الكبيرة لزيارتها .
** والشخصية الأخرى في المدرسة الابتدائية هي معلمة الصف الخامس ( بشرى ) كانت أول معلمة بالمدرسة أحبها واحكي عنها لأسرتي  وربما كانت أول معلمة أستطيع أن ان أفهم منها جيدا دروس العلوم  والرياضيات دون الاستعانة بالمنزل
** واتذكرأنها في احدى الحصص الاضافية لاحظت من رسومي أنني أجيد رسم الفيل فطلبت مني أن أرسم على السبورة الفيل ، وكررت لي هذا الطلب في أكثر من مرة مما جعلني أضيق بهذا الطلب واتمنى لو تطلب مني رسم حيوان آخر حيث كنت أحب رسم الحيوانات واجيدها.
(( مدرس العلوم والدورة الدموية ))
** الشخص الآخر في المدرسة الابتدائية هو الاستاذ / محمود - مدرس العلوم بالصف السادس الذي كان يبسط لنا برسوم توضيحية أفضل من رسوم الكتاب  ومنه فهمت الدورة الدموية جيدا حيث كان يشرحها لنا كما لو كانت حكاية طريفة  عن رحلة الدم في جسم الانسان واعضائه المختلفة
** وكذلك شرحه للجهاز الهضمي بطريقته المشوقة التي اتذكرها حتى الآن ورحلة الطعام منذ أن يدخل الفم وحتى يمر على جميع أعضاء الجهاز الهضمي
** ومن المؤكد أن بداية حبي لمادة العلوم كانت ف السنة السادسة الابتدائية وبسبب هذا المدرس
** وربما كان هذا الحب والاهتمام بمادة العلوم أنني وجدت فيها الاجابة المقنعة على كثير من التساؤلات الكثيرة .
** وبلغ الأمر الى أنني كنت اطالع في أي كتاب علوم  بالصفوف الاعدادية حتى وان كان ذلك على حساب مذاكرة المواد الأخرى .
(( شدة الاهتمام بمادة العلوم ))
** ولاحظت والدي شدة اهتمامي بمادة العلوم  وكانت تنبهني كثيرا الى ضرورة الاهتمام بالمواد الدراسية الأخرى  مثل المواد الاجتماعية وخاصة التاريخ الذي كنت أقل ميلا لمذاكرته وخاصة التاريخ الحديث .
**في هذه المرحلة والمراحل التالية أيضا كنت أجد نفسي أكثرقدرة على تذكر الرسوم  والأشكال أكثر من تذكر العبارات  الانشائية ، وعندما تنبهت الى ذلك  اتخذت طريقة مبتكرة في المذاكرة وهي ربط العبارات الصعبة الحفظ بشكل معين بسيط يسهل تذكره بحيث يسهل استعادة العبارات الصعبة  من الذاكرة بمجرد تذكر الشكل المرتبط بها .
** وكانت مادة الجغرافيا  من المواد المحببة لي أيضا لأنني كنت استعين  بالخرائط في مذاكرتها  وكنت افضل رسم الخرائط بدون شفها ... واتذكر أن غضب مني أحد المدرسين عندما طلب مني شف الخريطة بدلا من رسمها باليد  وازددت عندا واصرارا على رسمها بيدي بدون شف .
(( أول رحلة للقاهرة ))
** وفي أجازة الصف الثاني الابتدائي وفي عمر أقل من سبع سنوات أتذكر رحلة أسرية الى مدينة القاهرة  لقضاء خمسة ايام هناك من أجل تغيير جو لجدتي ( ام والدتي )  والتي كانت مريضة في ذلك الوقت .
** قضينا خمسة أيام تقريبا في لوكاندة بالعتبة وذهبنا الى العديد من االمزارات مثل المساجد والأهرامات والمتحف المصري
** أتذكر النظر من بلكونة اللوكاندة الى ميدان العتبة وكل ما به من سيارات واوتوبيسات وترام والتروللي باص ذو السنجتين الدائمة الانفلات ، والتي ينزل الكمساري باستمرار الى توصيلها بالسلك .
** كانت خمسة أيام فقط لكنني شعرت  انها مدة طويلة .. ربما كان ذلك الاحساس لأن الطفل الصغير يجد كل من حوله كبير حتى الزمن .
** وقديكون ذلك نتيجة التغير الكبير في المكان حيث وجدت نفسي في لوكاندة غريبة  بدلا من البيت  وجدت ازدحاما لم أره من قبل واوتوبيسات حمراء بدلا من الزرقاء ، والتر ام ذات الشكل المختلف عن الترام بالاسكندرية والتروللي باص .
** واتذكر من المتحف المصري التماثيل الكبيرة المهيبة والتوابيت الضخمة المزخرفة والمنقوشة  وكنت أشب  باقصى استطاعتي لكي اشاهد ما بداخلها فربما أجد فيها شخص مدفون حسب معلوماتي التي عرفتها عن التوابيت .
** اتذكر المومياءات المحنطة التي يظهر منها أجزاء عارية مثل أصابع القدمين ، واتذكر الجو العام داخل المتحف كان رهيبا – لدرجة انني كنت أشعر بسرعة دقات قلبي  فكنت امشي بين التماثيل واشعر انها هي التي تراقبني .
** ظل تأثير هذا الجو الرهيب عالقا في ذاكرتي حتى أحسست به في مرة أخرى عندما كبرت والتحقت بالجامعة وكنت في زيارة للمتحف الروماني .
** وخلال رحلة القاهرة القصيرة التي لم تستغرق اسبوعا كاملا اعتدت على شكل  الشوارع واتساعها ، واتذكر أنني بعد العودة الى الاسكندرية اندهشت للاوتوبيسات الزرقاء بدلا من الحمراء وأسأل والدي عن سبب اختلاف الالوان فيقول لي أن اللون الازرق يرمز الى البحر ، وبهذه الاجابة أجد في نفسي حبا وانتماءا لمدينتي الاسكندرية المتميزة ببحرها ، كما لاحظت أيضا اختلاف المسافة بين قضيبي  الترام حيث تصغرهذه المسافة في ترام القاهرة .
(( الاطلاع على الجرائد ))
** أتذكر في المرحلة الابتدائية أيضا وخاصة في الصف الخامس والسادس ازدياد شغفي بالاطلاع على الجرائد  التي يشتريها والدي وخاصة النكات التي يرسمها الفنان رخا عن رفيعة هانم والسبع افندي وشخصية الحرامي بسترته المخططة ونظارته المميزة
واتذكررسوم صاروخان عن السياسة وعبد الناصر وشخصية العالم العربي كرة أرضية ترتدي عقال والأمم المتحدة التي يظهرها في رسومه  كقطعة من الدومنو لها وجه انسان الى جانب  رسوم أخرى للزعماء في ذلك الوقت عبد الناصر- الاسد  - جونسون – نيكسون
** هذا بالاضافة الى رسوم كاريكاتير حجازي التي كانت تتميز بخفة الظل والتي عرفت فيما بعد أنها تتميز بالبساطة المتناهية وعدم التكلف ، مما جذبني فيما بعد الى شراء مجلة صباح الخير  من أجل كاريكاتير حجازي
(( بداية تذوق الموسيقى ))
** وفي هذه المرحلة أيضا ظهر حبي وتذوق  للموسيقى والأغاني ووجدت نفسي أطرب لسماع أغاني عبد الحليم في ذلك الوقت ومنها ضي القناديل – على حسب وداد قلبي – الهوا هوايا –حبك نار  واطرب لسماع أم كلثوم في أغنية فكروني وأمل حياتي .
** ومن الطبيعي  أنني لم افهم جيدا معاني الكلمات ولكني كنت أستمتع  بالغناء والالحان  واللزمات الموسيقية والفواصل الموسيقية التي كنت انتظرها بين أجزاء الأغنية .
** واتذكر أنني كنت أقف طويلا أمام اراديو لتدوينها في ورقة ولم يكن ذلك لاعجابي بالكلمات ولكن لأجل تسهيل حفظ الاغنية  ومن هذه الاغاني أغنية فكروني .
** أتذكر أيضا ترقبي الكلمات اغنية امل حياتني  في جريدة الأهرام  قبل أن تتغنى بها ام كلثوم  في حفلة بالتليفزيون .
(( التجمع حول التليفزيون في حفلة ام كلثوم ))
** اتذكر تجمع الأقارب  عندنا في ليلة حفل ام كلثوم  وسهرهم معنا يوم الخميس حتى ساعات متأخرة من الليل .
** كنت أجد الكبار ينسجمون من الأغنية في أول يوم اذاعتها ، أما أنا فكنت لا أطرب للأغنية في أول يوم اذاعتها  ولكني كنت أفرح في ذلك اليوم لتجمع الأقارب عندنا  وكنت أشعر باحساس ( الفسحة ) حيث أجد تغير في النمطية اليومية .
** وعندما عرفت معنى التلحين كنت أحضرمجموعة من الطبول أو العلب الفارغة مختلفة الاحجام  لتأليف قطعة موسيقية ايقاعية منغمة تبعا لاختلاف أقطار العلب .
وأحيانا كنت أحضرصندوق من الخشب ( حصالة خشبية ) وأشد عليها أوتارا من الاستيك أو الخيط واحاول العزف عليها مقلدا مدرس الموسيقى أثناء عزفه على العود .
 (( بداية تعرفي على فن الزجل والكلمات المنظومة ))
** وكما اكتشفت  عملية التلحين  اكتشفت ايضا أهمية الكلمات  وحاولت تأليف زجل في الصف الخامس الابتدائي وشجعني على ذلك خالي الذي كانت له هذه الهواية كما شجعني هو ووالدتي أيضا على الرسم كهواية يمكن أن امارسها .
** وكانت أول قطعة زجل أقوم بتأليفها : ييجي الهلال ، ويفوت رمضان وييجي العيد بفرح وسرور  ونلعب ونغني في كل مكان ونعطف ونزكي على المساكين ، دا عيد هنا وعيد سروريافرحة المؤمن بالفطور
** وكلمات أخرى عن الطيارة ، تطيرمن بلد الى بلد ، كالعصفور من غصن الى غصن  ، وتهبط في االمطار كالطير على الاشجار
** وعيد الربيع ، ياربيع ياربيع انت شهربديع ، تتفتح الأزهار ويطول النهار وتغرد الطيور في فرح وسرور
** وأذكر أنني كنت أسأل والدي قبل تأليف الكلمات عن الربيع ، هل يطول النهار في الربيع أم يقصر ، وما هي علاقة الهلال برمضان ، كما كنت أسأله في القواعد النحوية .
(( رسوم في ذاكرتي الأولى ))
** واذكر في هذه الفترة ازدياد اهتمامي بالرسم – واتذكر اعجابي بمنظر الجامع المخطط باللون الأحمر والأصفر والذي رسمه لي خالي في كراسة الرسم
ومنظر الحديقة  التي بعد أن أكملتها اضاف لي والدي عليها شكل كلب يمشي بها  فشعرت ان منظر الحديقة لم يكتمل إلا بعد رسم هذا الكلب وتنبهت الى أهمية وجود الاشياء الصغيرة والمتنوعة لكي تصبح اللوحة أقرب الى الطبيعة
** اتذكر برج المراقبة التي رسمته لي والدتي في لوحة عن المطار .
** اتذكر حديقة الحيوان التي رسمها أحد التلاميذ ( الزملاء )  وأعجبني فيها الشكل العام الذي يشبه الخريطة وموضح بها الأقفاص ، رغم أنني سمعت أحد المدرسين يوجهه بأن يركز في الموضوع عن جزء واحد من الحديقة وليست كلها  .
** أتذكر موضوعا للرسم  عن الحيوانات رسمته لي أمي عن قصة الارنب الذكي واتذكر من هذا الموضوع الزرافة الملونة تلوينا جيدا ، وحاز هذا الموضوع اعجاب أحد المدرسين وقام بتعليقه بالفصل .
** وفي السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية عندما أجد أحد الزملاء لديه علبة الوان كبيرة ولا يستطيع الرسم بها جيدا  ، أتمنى أن يكون عندي مثلها حتى الون كل شيء باللون الطبيعي بدلا من الألوان الغير واقعية التي أجدها في رسوم البعض .
** وعندما تحققت لي هذا الامنية وحصلت على علبة ألوان وأذكر أن أول موضوع ملون هو الأهرامات وابو الهول وحرصت في هذا الموضوع أن أعبر عن ميل الأرض في منطقة الاهرامات .
** وكنت شديد الاعجاب بالخط المائل ، وقد يرجع ذلك الى أن الخط المائل يوحي بالحيوية والحركة أكثرمما يوحي بالثبات الذي يعبر عنه الخط الأفقي .
(( رائحة الكتب القديمة ))
** اتذكر ذهابي مع والدي الى بعض الأقارب ( كبار السن )  وكنت اقلب في الكتب القديمة عندهم  ومنها كتب مجلدة حديثا ذات رائحة الغراء الواضحة  والتي كنت أحبها لأنها ارتبطت بعملية التجليد والفرحة بالكتب الجديدة .
** ومن كتب الاطفال أتذكر كتاب به شرح باستخدام الرسومات عن كثير من المواقف والسلوكيات ومنها أذكر كيفية اتباع اشارات المرور ، وعدم التحدث مع السائق ، وآداب المائدة ، وصور من الريف المصري الذي لم أشاهده إلا في هذه الصور ، والالتزام باستعمال كباري المشاة للانتقال بين أرصفة القطار ولم اشاهد هذه الكباري بعد ذلك إلا بعد الذهاب الى كفر شيخ لكلية الزراعة فيما بعد  ويبدو أنها كانت رسوم للفنان بيكار وتمنيت كثيرا أن أعثر على هذه الكتب لاعجابي بها  
** اتذكر تقليبي لكتب التربية الدينية  المصورة التي أذكر منها صورة الأصنام التي حطمها سيدنا ابراهيم  وضع الفأس على كبيرهم . وصورة الحجر الأسود الذي يحمله المؤمنون .
وصورة أصحاب الأخدود الذين يحترقون في النار التي أعدها لهم الحاكم الظالم  ، وهذه الصورة الأخيرة كنت أتأثر  بها بشدة  واتخيل نفسي في حالة هؤلاء الناس .
** أذكر أنه من أحسن الهدايا التي حصلت عليها في هذه الفترة هو كتاب كان مقررا على السنوات الابتدائية  القديمة  واذكر أنني عندما تصفحت هذا الكتاب أعجبتني قصة سيدنا نوح وغير ذلك من القصص المصورة  .
** واتذكر شكلا رسمته في هذا الكتاب  بجوار صورة اصحاب الاخدود  وكنت أشعربالفزع كلما قلبت صفحات هذا الكتاب وشاهدت هذا الشكل الذي رسمته بنفسي وقد يكون هذا الشكل ارتبط بموضوع شديد الصلة بالعقل الباطن .
(( أحلام مزعجة ))
** وفي هذه الفترة وعند اقتراب الامتحانات كنت أحلم بأنني مطلوب مني كتابة الاعداد كلها  الى مالا نهاية  ولم أكتب بعد إلا القليل منها .
** ويشتد بي اليأس من عدم الوصول الى نهاية الاعداد وأصحو من النوم في حالة من الرعب الشديد  وابحث في كراساتي لاكمال هذا الواجب المفزع  المستحيل في تنفيذه وانطق بكلمات وعبارات غير مفهومة فيضطرب من حولي من أفراد الأسرة  ولا يهدأوا إلا عندما يكتمل استيقاظي من هذا الحلم المرعب .
** ويتكرر هذا الحلم المرعب  في فترات الطفولة اثناء الدراسة .
 (( الهبوط على القمر ))
** ومن الأحداث الهامة  التي جذبت انتباهي في ذلك الوقت 1968 هبوط أول انسان على سطح القمر وكنت مهتما بهذا الحدث منتبعا للأخبار عنه في الجرائد ومشاهدتي لخطوات الانسان الأولى على سطح القمر .
** كنت أسأل عن كل ملاحظه  ألاحظها  ، وبدون الدراسات والكتب المدرسية أستطعت أن أفهم معنى كوكب  ونجم وقمر ومجرة وجاذبية .
** وكثيرا ما كنت أسرح بتفكيري بداخل الفصل  لدرجة أن يمر نصف الدرس  دون أن أتذكر منه شيئا  لأنني كنت سابحا مع أخبار أخرى تراودني .
(( الشيخ محمد ))
** اتذكر الشيخ محمد - الكفيف الذي يرتدي ملابس المشايخ والذي يأتي أسبوعيا الى بيتنا كل خميس لكي يقرأ القرآن ويأخذ ( ما فيه النصيب ) وكان هذا الشيخ بعد قراءته للقرآن يقضي وقتا مع والد ي في حكايات عن الأمور الدينية والدنيوية وكثيرا ما كان يتطرق الى الحديث في السياسة
ويقول هذا الشيخ ان الأمريكان كذابين ولم يصعدوا الى القمر وأن السماء ما هي الا خيمة كبيرة معلق بها النجوم والكواكب والقمر والشمس  كالمصابيح  ....... كنت أدرك أن هذا الكلام يدل على جهل شديد ولكنني تعلمت ألا أحرجه وخاصة لاعاقته البصرية وجهله .
 (( الاشفاق على الفقراء ))
** تعلمت من الأسرة الاشفاق على الفقراء  ومساعدتهم بالمال  فكانت تربطنا علاقة عطف قديمة بين مجموعة من الأسر الفقيرة والذين كانوا يأتون الينا بانتظام لأخذ الصدقات .
 (( عصابة يسري وحربي ))
** اتذكر أن بالفصل في السنوات الاولى الابتدائية مجموعتين يتزعم كل منهما تلميذ له خصائص الزعامة ( عصابة يسري وعصابة حربي  ) وكنت لا أميل التحيز لأحد المجموعتين كما كان يحدث مع الكثير من زملائي بل كنت أصادقهم جميعا وأحيانا كنت أشاركهم بكلمات ( قفشات ) مضحكة .
** وكنت أفضل مراقبتهم عن بعد والتأمل في علاقتهم التنافسية وسذاجتهم عندما يعيشون الدور وكأنهم في حرب حقيقية .
** لاحظت أن لي رغبة دائمة في تقييم  الأشياء والاحداث من حولي والبحث عن الصحيح والابتعاد عن كل ما هو غير مرغوب.
** واتسعت دائرة اهتماماتي الى تأمل عالم الحيوان والنبات والجماد والكون كله .
(( الألعاب الذهنية ))
** أما وعن ألعاب الطفولة فكنت أفضل الألعاب الذهنية التي تتم بواسطة الورقة والقلم  مثل توصيل النقاط لعمل مربعات أو تظليل الدوائر لاكتساب صفوف أو التخمين أو سيجة الصعايدة.
** وكانت المذاكرة في المرحلة الابتدائية مثل لعبة من الألعاب ولا أذاكر إلا اذا شعرت بميل الى المذاكرة  وكثيرا ما كنت أفضل مواد دراسية عن أخرى وكان نتيجة ذلك أنني تفوقت في امتحان العلوم 46/50 والرياضيات 92/100وكان امتحان الرياضيات يضم مسألة أتذكرها أنها ( غرفة مستطيلة معلومة الطوال والعرض وبها سجادة معلوم بعدها عن الحوائط ومطلوب ايجاد مساحة الجزء العاري ) ، واتذكر أنني لكي أحل هذه المسألة رسمت الغرفة  والسجادة جيدا حتى تمكنت من حساب مساحة السجادة .
** وأظهرت تفوقا في امتحان اللغة العربية وجاوبت على سؤال لم بكن مقررا على الصف السادس في ذلك الوقت بل كان مقررا على الصف الأول الاعدادي وهو الأفعال الخمسة واستطعت الاجابة عليه لأنني كنت أتابع أختى التي تكبرني بسنة في مذاكرتها 
** أما المواد الاجتماعية حصلت فيها على 34/50 والمجموع الكلي 82 %  وكان لنجاحي فرحة شديدة وخاصة لحصولي على شهادة تؤهلني للمرحلة الاعدادية .
** ومن الطرائف التي أذكرها في أيام الامتحانات انني اعتدت في كل يوم على نسيان شيء من أدواتي الكتابية بعد خروجي من لجنة الامتحان وعندما لاحظت في أحد الأيام أنني لم انسى شيئا من أدواتي شعرت بالقلق من هذا الحدث الغير عادي .
(( بداية هواية تربية النباتات ))
** في أواخر المرحلة الابتدائية بدأت هواية تربية النباتات بعد زيارتي لبعض من أقارب والدتي  وانبهاري  بالنباتات التي يزرعونها  في البلكونة وحصلت منهم على بذور اللبلاب والريحان ثم اشتريت شوالي كثيرة وزرعت فيها هذه البذور وغيرها من بذور النباتات العادية مثل الفول والقمح والشعير والذرة والعدس والترمس والفاصوليا والترمس والخروع والقطن والبصل   وجميع ما استطيع الحصول عليه من بذور.
** لاحظت أن كل نوع من  النباتات له صفاته الخاصة التي تميزه عن غيره  بل أنني لاحظت أن النوع الواحد تختلف أصنافه حيث أن الفول البلدي له زهرة بيضاء ببقعتين سواد بينما الصنف المستورد لا توجد بالزهرة البقعة السوداء .
كما لاحظت الفرق بين البطاطا الحمراءوالبيضاء في مجموعها الخضري
(( الزراعة مجال خصب للتفكير والتأمل ))
** وجدت الزراعة مجالا خصبا للتسلية والتأمل والتفكير وكنت أقضي أوقاتا طويلة في مراقبة النباتات  وملاحظة نموها اليومي وما يطرأ عليها من تغيرات في الورقة ولاحظت أنه من النباتات العادية ما له صفات تجعله كنبات زينة ومثال ذلك الترمس الذي تتميز أوراقه بالميل الى الزرقة وملمس وبري مميز.
** ونبات البطاطا بنموه المتهدل جعلني أعلق الشالية في حديد البلكونة لكي أستمتع بتهدل أوراقه
ولاحظت الفروق المختلفة بين أعمار الأزهار فبعض النباتات لا تعيش أزهاره إلا قليلا .
** كما لاحظت أن النباتات تتغير اتجاه اوراقه بين الليل والنهار فالبعض ترتفع أثناء الليل والبعض تنخفض  وكنت أتخيل النبات وهو يرتفع بأوراقه وكأنه برفع يده للدعاء .
(( السيادة القمية ))
** ولاحظت أيضا من نبات اللبلاب أن قطع البرعم الطرفي الأول ينشط البراعم الأخرى  الجانبية وعرفت ذلك بالصدفة عندما وجدت أحد الاطفال من أقاربي قطع البرعم الطرفي فازداد غضبي لذلك وخاصة لأنني كنت اراقب نموه بكل تركيز وبعد ايام قليلة وجدت أن كثير من البراعم الجانبية نشطت ، وعرفت فيما بعد من دراستي في كلية لزراعة أن عملية القطع للبرعم الطرفي تسمى تطويش والغرض منها تشجيع البراعم الجانبية على النمو حتى تعطي نموا كثيفا وأن عملية التطوبش تقضي على ظاهرة السيادة القمية و المقصود بها ان البرعم الطرفي يفرز هرمونات  تمنع نمو غيره من البراعم الجانبية .
** كما لاحظت نباتات غريبة عديمة اللون الأخضر تنموبسرعة وعرفت فيما بعد انها احدى  فطر عيش الغراب .
** وكنت أحتفظ بانتاجي من البذور واحرص على تجفيف بعض الأوراق والنباتات  الغريبة  وحتى الآن احتفظ بهذه البذور وعدد من لوزات القطن  المتفتحة التي كانت حصيلة زراعتي في هذه المرحلة وفي المرحلة الاعدادية
** وكنت أفرح كثيرا لظهور سنابل القمح والشعير واضعها في زهريات بالمنزل وافتخر بها
(( المحافظة على النمل ))
** واثناء مراقبتي للنباتات كنت ألاحظ أيضا الحشرات  التي تزور هذه النباتات وخاصة النمل الذي يبني بيوته في الطين حيث تقوم كل واحدة من النمل بحمل حبة واحدة  ورصها بجوار فتحة الجحر ما لو كانت ترص طوب  وتبني به سور لحماية الجحر .
** كنت أجد نفسي حائرا بين سقي الزرع وهدم بيوت النمل المحفورة في الطين .
** لكنني ارتحت عندما عرفت أن النمل ياستطاعته وبصبره ان أن بعيد حفر جحوره مرة ثانية ويعيد كل شيء بسرعة ونشاط وألاحظ أن بعض الأفراد من النمل التي تضررت بالغرق من الماء فاقت ورجعت اليها حيويتها
** واستمر بي الحال بالاشفاق على الحيوانات التي تتألم حتى قرأت فيما بعد في المراحل المتقدمة كتاب مترجم بعنوان الجانب الانساني عند الحيوان وفي هذا الكتاب ذكر فيه أن بعض الكائنات لا تتألم كمثل الانسان وخاصة الحشرات وغيرها من الحيوانات البدائية .
** وهذه المعلومة وجهت نشاطي كثيرا فيما بعد لتربية الحشرات كما سيأتي ذكره فيما بعد
** وكان اهتمامي بعالم الكائنات الحية مرتبطا باهتمامي بالحياة الانسانية  وتفسيرها ، فكنت أصنع ما يشبه القارب واضع فيه حشرة النمل واشاهد سلوكها وهي في وسط الماء كما لوكانت في عرض البحر واجعل القارب يغرق شيئا فشيئا واراقب سلوك النملة واضع لها ما يشبه أطواق النجاه لكي اراقب سلوكها وتصرفها تجاه هذا الموقف .
(( مع العلب الكرتونية ))
** أترك عالم النبات والحيوان ثم الجأ الى العلب الكرتون المختلفة الاشكال والاحجام واصنع منها بيوتا وأشكال متعددة وأحاول صنع أشياء مبتكرة مثل عمل مكتب أدراجه بعلب الكبريت . واستعنت بعمل الاباجورة بزرار أبيض يمثل اللمبة وزرار أسود أكبرنه يمثل الغطاء الذي يغطي اللمبة .
** وكنت أصنع فأر بهيكل من السلك والقطن لكي أقوم بتخويف الاطفال
** وحاولت أن استثير القطة بشكل هذا الفار ولكنها لم تهتم به  واستطعت أن استنتج أن القطة تعتمد على حاسة الشم في تمييز فريستها ولا يعنيها كثيرا اللون أو الشكل .
(( اصلاح اللعب واطالة فترة صلاحيتها  ))
** واتذكر أنني كنت أميل الى اصلاح الالعاب المتحركة  وفكها والبحث عن سبب العطل  واصلاحه .
** وعندما يأتي والدي  لنا أنا وأخي  بلعبتين متشابهتين ( مسدسين أو موتوسيكلين )  كانت لعبتي أكثر بقاءا من لعبته لأنني كنت حريص على اصلاح اعطالها .
** وعندما نشتري لعبة سلحفاة متحركة بالخيط أبحث عن طريقة تحريكها واطبق الفكرة على لعبة غيرمتحركة مثل عربة بلاستيك واطور الفكرة بعدم استعمال الخيط والاكتفاء بلف الأستيك بواسطة عجلات العربة البلاستيك .
** ثم تأتي فكرة أخرى باستبدال السيارة المتحركة بعلبة حبر أجعلها تمشي بشكل يثير الاستغراب
** كان ذلك يحدث في كل لعبة أحصل عليها ، ولم أعترف بطريقة واحدة ثابتة للعب بها ... فكل لعبة عندي قابلة للتطوير .
** لم أحب الثبات على حال ... ولم أعترف بوجود نهاية للتفكير وكل شيء أمامي قابل للتغيبر والتطوير وكما سأذكر فيما بعد أن هذه الطباع جعلتني أصطدم بالروتين  الممل وأصطدم أيضا يآراء كثيرة عند الآخرين .
** لم تتبلور هذه الأفكار ولم تتضح كثيرا في هذه المرحلة ولكن من المؤكد أنها بدأت في طريقها للظهور .
(( والدتي والأعمال الفنية ))
** واتذكر أنني أعجبت باسلوب والدتي الابتكاري وهي تصنع لاختي مسجدا باستخدام علبة كرتون مربعة استعانت بقشرة البيضة في عمل القبة لهذا المسجد على شكل نصف كرة وعندما تستعين بالفرو لعمل شعر العروسة .
** واذكر أيضا أن والدتي في فترات معينة وخاصة الايام السابقة للأعياد كانت تشركنا في تغيير أماكن الأثاث بالمنزل وتستعين برأينا كما لو كنا كبار واتذكر أنها كانت تجمعنا في احدى ليالي الأعياد للقيام بعمل أزهار بواسطة الخرز والسلك .
** وعندما أعجبتني الفكرة اتفقت مع اختي الكبيرة على عمل بعض الأزهار لتقديمها هدية الى الأم بمناسبة عبدالأم  وتمت عمل الأزهار ولكن المفاجأة لم تتحقق لأن الأم كانت تشاركنا في عمل هذه الأزهار .
** واتذكرأنني في هذه الفترة تعلمت التريكو والكتفاه نتيجة حب استطلاع ورغبة في معرفة كل جديد
** ويتضح من مذكراتي في هذه المرحلة أن جميع الأنشطة التي كنت أقوم بها – تقريبا – انفرادية ، ولكنها لا تعني انطواءا في شخصيتي حيث أن حب الاستطلاع  ليس من صفات الشخص المنطوي .
** كنت أضطر الى تنفيذ الكثير من الأعمال منفردا لأنني لم أجد من يشاركني الرغبة في هذه الأعمال ويشاركني في تقبل الابتكارات .
(( النوم بالنهار ))
** كانت الانشطة سالفة الذكر تستنفذ كل وقتي ولم أعرف شيئا عن وقت الفراغ ، حتى وان ظهرفي احدالاحيان أنني غيرمشغول فمعنى ذلك أن فكري لابد وأن يكون مشغولا بالتخطيط والاعداد لعمل جديد ، ودائما يكون خيالي مزدحما بالافكار والصور  وقد يكون ذلك هو عدم استطاعتي النوم بالنهار ، واتذكرجيدا أنني لم أعرف النوم بالنهار الا في مرحلة الثانوية العامة أثناء تعرضي لاحدى نزلات البرد .
(( نكسة 5 يونيو ))
** في السنة الخامسة والسادسة  أتذكر أن المعلمة في احد الحصص الاحتياطية كانت تقول لنا انكم جيل الثورة محظوظون  لم تعانوا ما عانيناه  من حروب ضد الاحتلال والاستعمار وكانت تحكي عن البطولات التي حققها الشباب من الأجيال السابقة
** إلى أن جاء يوم 5 يونيو1967 الاثنين الساعة التاسعة صباحا دقت صفارة الانذار ... وكانت أول صفارة خطر أسمعها كانت أمي بالشقة العلوية فوجدت أنها تنزل بسرعة الى الشقة  وتخرج المجوهرات والأشياء الثمينة  استعدادا للذهاب  الى المخبأ اذا لزم الأمر
كان هذا هو طبع والدتي  الحرص الشديد وعدم التهاون بأي شيء فكانت تقص علبنا قصصا عن أيام الحروب السابقة وأهوالها حتى تجعلنا أكثروعيا  وتهيؤا لمواجهة  أي حدث جديد
وكانت تحكي لنا عما فعله اليهود بالفلسطينيين وكيف طردوهم من بلادهم وديارهم  ونهبوا ممتلكاتهم
** بدأت الأم تتحدث عن الحرب وعن اليهود كما لوكان اليهود سوف ينتصرون علينا ويفعلوا بنا كما فعلوامع الفلسطينيين
** وعندما كنت أستمع الى هذه الاحاديث وكذلك أحاديث الراديو والتليفزيون التي كانت  تشحن عقلي ووجداني ويأخذني الحماس رغم طفولتي وابدي استعدادا  لكي اتطوع في الدفاع المدني كما كان شائع في هذه الفترة
**أتذكر في هذا اليوم تهليل  الاذاعات  ومباركتهم للنصر المرتقب والبيانات الكاذبة  التي كانت تصورلنا سقوط الطيارات الاسرائيلية مثل تساقط الذباب بعد رشه بالمبيد الحشري.
** ومن هذا البيانات التي اتذكرها جيدا  أننا أسقطنا 23 طائرة اسرائيلية ورجعت طائراتنا الى قواعدها سالمة
** أتذكر ايضا في هذه الفترة أولا تعرفي على الاشاعات ( الشائعات ) حيث أطلق العدو في ذلك الوقت اشاعة بأن  الأمصال التي يحقنون بها الأطفال تسببت في موت الكثير من الاطفال ، أثرت هذه الاشاعات على الاطفال واشاعت الاضطراب ولكني وثقت في أنها اشاعات مغرضة  لنشر الفوضى
(( المرحلة الاعدادية))
** بدأت بعد ظهورنتيجة امتحان الابتدائية ( القبول في ذلك الوقت )  والتحاقي بالمدرسة الحكومية ... والتي فيها تعرفت على زملاء جدد غيرما تعرفت عليهم في الست سنوات السابقة
** وبدأ في هذه المرحلة الاعتماد على المدرسة وشرح المدرسين  بعد ما كان الاعتماد الأكبر على  المنزل ومتابعة الأسرة
** وجدت نفسي محبوبا ايضا لدى مدرسين المرحلة الاعدادية  لانني كنت متفوقا في الدراسة  رغم أنني كنت اشعر بقصر نظر يجعلني أجد صعوبة في رؤية الكتابة على السبورة .
(( المعاناة من اخفاء ضعف البصر ))
** ظللت أخفي هذا الضعف عن الاسرة  وعن التلاميذ والمدرسين  لانني سمعت في ذات اليوم من احد أفراد الأسرة  أو العائلة ان الذي يلبس نظارة ( مسكين وغلبان )  ويحرصون على معاملته معاملة خاصة كما لو كان الشخص الذي يلبس النظارة أعمى يستحق العطف والشفقة
** لم اقبل أن أكون في وضع الطفل الصغير المسكين الذي يلبس  نظارة طبية سميكة
** واستمر هذا الحال 0 اخفاء ضعف النظر حتى بداية الصف الثالث الثانوي حيث أذكر اليوم جيدا الذي عزمت فيه أن أعلن عن ضعف نظرى وضرورة عمل نظارة طبية ...  وعزمت ان أكتفي بأكثر من خمس سنوات  قضيتها  بن مواقف محرجة  ومجهود كبير في اخفاء  قصر النظر  ، وليالي طويلة  قضيتها في التفكير في هذا الأمر  ودعوات الى الله بأن أصحو من النوم وأجد نفسي مبصرا مثل بقية  الزملاء  واستطيع ان أرى السبورة بوضوح وارى أرقام الاوتوبيسات  وكلمات اللافتات البعيدة .
** لكن يبدو أن قصر النظر لم يؤثر كثيرا على المستوى الدراسي  فكنت أراقب كلام المدرس جيدا ولا أهتم بالسبورة إلا اذا كانت الكتابة كبيرة وواضحة واذا كان المدرس يستخدم الرسم والاشكال التوضيحية على السبورة
** وأحيانا كنت أتمنى أن  أصبح مدرسا عندما أكبر واكتب على السبورة بخط كبير يراه الجميع
** ومن حيث الاستذكار  في هذه المرحلة فكان يعتمد أيضا على رغبتي وحبي للمادة الدراسية أو الدرس
** وكنت أهمل  المواد أو الدروس التي لا أميل اليها باستثناء اوقات الامتحانات أو التهديد بالعقاب وغير ذلك .
** أذكر أنه رغم حبي وميلي الشديد الى مادة الرياضيات لكن في السنة الثانية الاعدادية أخطأ أحد المدرسين بعدم تفهمه قدراتي الرياضية وكان ذلك بسبب شرود ذهني في بعض الأحيان أثناء الشرح ، هددني هذا المدرس بأنه سوف يستدعي والدي بسبب ضعفي في مادة الرياضيات ، وكان نتيجة لهذا التهديد ازدياد شرودي وسرحاني أثناء الحصة  لدرجة كبيرة جعلت المدرس يتمسك برأيه عن اهمالي وضعفي
** والعجيب أنه بعدما رجعت الى المنزل وبقليل من القراءة والتذكر أجد نفسي فهمت الدرس جيدا ، هذا الى جانب مساعدة أختي لي في حل المسائل الصعبة
** وكانت مفاجأة شديدة للمدرس عندما أجرى امتحان للفصل وجدني أحصل على أحسن الدرجات .
** وكانت مفاجأة أشد عندما سأل هذا المدرس سؤال ذكاء وكنت أنا الوحيد الذي استطعت الاجابة عليه .
** اعتقد ان شرود ذهني بداخل الفصل كان يرجع الى رغبتي الملحة في ايجاد علاقات للأشياء مع بعضها
** وعلى سبيل المثال علاقة العلوم بالحيوانات والنباتات  التي أشاهدها واتعرف عليها وعلاقة درس في الجغرافيا  بظروف المناخ التي أحسها  وعلاقة اللغة العربية بالأحاديث  العامية المعتادة
وكثيرا ما كان اهتمامي بالدرس في الفصل  أقل من اهتمامي بالتطبيقات العملية والمقارنات بين الدروس وبعضها والتأمل في الأحداث المحيطة
(( مدرس قدوة ))
** في الصف الثاني والثالث انضم الى قائمة المدرسين المفضلين الاستاذ أحمد سليمان
** لاحظت حيويته الدائمة منذ بداية الدرس حتى نهايته ، وكان يستفيد  بكل دقيقة في الدرس  ويبدأ الدرس بالسؤال في الدروس السابقة  ثم يدخل في الشرح النظري والعملي أيضا وبعد نهاية الدرس يسأل فيه للتأكد من  الاستيعاب عند الطلاب .
** كان هذا المدرس يعطي لكل طالب الحرية في تنسيق كراسته كما يشاء بشرط الالتزام بعمل هامش ( بعرض المسطرة ) تكتب فيه العنوابن الكبيرة ، أما العناوين االأصغر تكتب بعد الهامش
** اتذكر أنني حصلت أكبر درجة في تنسيق الكراسة رغم أني لم ابذل جهدا كبيرا في تنسيقها ولم استخدم فيها الألوان العديدة كما يستخدم بقية الزملاء ،وأذكر أن هذا المدرس أشاد بكراستي أمام الطلاب لكي يعرفهم أن الهدف من التنسيق ليس التجميل وانما  لخدمة الموضوع والتفرقة بين العناوين الرئيسية والفرعية .
** وكانت فرحة شديدة عندما تقابلت مع هذا المدرس بعد اشتغالي بالتربية والتعليم وعلمت أنها يشغل وظيفة ناظر
(( موقفي من حصص التربية الرياضية ))
** أما وعن حصص التربية الرياضية ... لم اميل اليها وكنت أشعر  بالحرج عندما أجد نقسي لا أعرف قوانين الألعاب الرياضية مثل كرة القدم  لأنني لم ألعبها في الشارع  ولم تكن لي رغبة في مشاهدتها بالتليفزيون .
** كنت أفضل  البقاء في الفصل في حصة التربية الرياضية و[e1] كنت على عكس زملائي ...  أفضل التمارين الرياضية عن كرة القدم .
** ولكني في بعض الأحيان  كنت أمارس لعبة كرة القدم مع زملاء مقربين أضمن أنهم لن يعايبوا على طريقتي في اللعب ، وكان ذلك ليس من أجل الاستمتاع باللعب وانما من أجل التندريب واكتساب خبرة عملية ونظرية ايضا عن كرة القدم التي وجدتها تشغل بال الآخرين لدرجة غريبة
** وعندما أجد  الزملاء يتناقشون  في لعبة كرة القدم  والمباريات بين الاندية الكبيرة  وقد وصلت مناقشاتهم الى الحدة والعنف ، اندهش كثيرا لذلك وأعتبره نوعا من الخلل في التفكير أن يتعصب شخص الى نادي معين وأن يؤيده في الفوز والهزيمة .
** ولكنني عندما أجاري زملائي في تشجيع النوادي أظهر لهم تشجيعي  لنادي الاولمبي أو الاتحاد السكندري  باعتبارهم أندية سكندرية .
** وكنت متأثرا  في ذلك بوالدي الذي يشجع النادي الأولمبي  باعتباره نادي سكندري ويضم نخبة من المثقفين بعكس نادي الاتحاد الذي كان يضم فئة من الحرفيين غير المتعلمين .
** واتذكرأنه في جميع مراحل الدراسة كانت أمي حريصة على الاستيقاظ في الصباح الباكر ثم تقوم باعداد الفطوروعمل السندوتشات التي تأخذها معنا  الى المدرسة  ولم يكن مصرحا لنا بشراء  السندوتشات الجاهزة لعدم ضمان نظافتها.
** كان كثير من الطلاب بالمدرسة يطلبون مني قطعة من السندوتش واحيانا كنت أعطيهم وأحيانا أرفض لذلك كنت أحرص على تناول طعامي سريعا  في مكان بعيد عن هؤلاء المتطفلين .
** كنت أندهش لهذا الطبع الغريب واعتبرته من نقاط الاختلاف الكثيرة التي كانت تجعلني مغتربا بين زملائي .
(( رحلة الى برج العرب في المرحلة الاعدادية ))
** من أهم الرحلات رحلة الى برج العرب حيث ركبنا القطار من محرم بك ، وأذكر أنني قضيت الليلة قبل الرحلة في بيت جدتي بمحرم بك لكي توصلني الى محطة قطار محرم بك ،  وكان القطار هو أكثر متعتي في الرحلة يلي ذلك زيارة مزرعة مدرسة الزراعة والتعرف على حيواناتها وأكثرها الماعز ذو الشعر الطويل ونباتاتها وأكثرها نبات الزيتون الناضجة السوداء التي تقع على الأرض بعد نضجها ، ومن هذا اليوم علمت أن ثمار الزيتون الخضراء هي ثمار غبر مكتملة النضج  أما الثمار السوداء أو البنية فهي ثمار ناضجة ، وعندما رجعت من الرحلة حكيت لأسرتي هذه المعلومة ، وفي هذه الرحلة ونحن في انتظار القطار كنا نحك الزلط على قضبان القطار لكي نشاهد الشرارة التي تحدث عند هذا الاحتكاك .
** كما رأيت في هذه الرحلة بعض الرجال والسيدات ممن بلبسون الزي البدوي الذي يختلف عن الصعايدة والفلاحين ، وأكثر ما أتذكره أنني لم اشترك في ألعاب كرة القدم مثل غيري من الزملاء الذين كانوا يعتبرون أن لعب الكرة هو أهم ما في الرحلة .
(( معرض زهور الربيع ))
**ومن الرحلات الأسرية التي حرصنا عليها في المرحلة الاعدادية هي معرض زهور الربيع الذي كان يقام في الربيع ، حيث كانت تباع تذاكره في المدارس ، وكانت هذه الرحلات من أمتع الرحلات التي أتذكرها وأكثر ما كان يبهرني ويجذبني ممن الزهور هي زهرة البانسيه التي تشبه الفراشة وحنك السبع وزهرة البطة وروائح الزهور والنباتات بصفة عامة
(( الاحتفال بشم النسيم ))
** ومن أجمل المناسبات أيضا خلال هذه المرحلة هي مناسبة شم النسيم الذي حرصنا على الاحتفال به بتلوين البيض بواسطة قشور البصل وتناول طعام الفطور المكون من البيض المسلوق كوجبة أساسية ، وحرصت في المراحل اللاحقة على الاحتفال به لاعتباره عيد الربيع والعيد الذي تتجلى فيه أجمل مظاهر الحياة التي وهبها الله لجميع الكائنات ، وجعلها الله كتابا مقروءا لكل عاقل لكي يؤمن ويزداد ايمانا بوحدانية الله وقدرته وعظمته .
(( التجمع على مائدة الافطار يوم الجمعة ))
** كانت والدتي حريصة على الاهتمام بوجبة افطار متميزة يوم الجمعة وهي على سبيل ( لقمة القاضي ، حلاوة الدقيق ، السخينة ، رز بلبن ،  الحلبة ............. ) واقتداءا بها وتقديرا لاهتمامها واحياءا لذكراها حرصت على تجميع أفراد أسرتي كل يوم جمعة ، واتمنى أن تستمر هذه الفكرة وهي التجمع أثناء تناول الطعام ، حتى وإن كان هذا التجمع مرة كل أسبوع .
(( الاحتفال بأعياد الميلاد ))
** منذ المرحلة الابتدائية حرصنا على الاحتفال بعيد ميلاد مجمع لنا حيث كانت أعياد ميلادنا متقاربة نوفمبر وديسمبر ويناير وكان الاحتفال بتورتة نضع فيها الشمع بعدد السنوات ونبدأ بالاصغر سنا ثم الأكبر ، وعندما زادت عدد السنوات اختصرنا عدد الشموع ، وفي هذا اليوم يأتي أقاربنا وكنت أعد له فقرات مبتكرة كهدايا بسيطة على سبيل الاضحاك ، وكنت دائما المشجع والمحرك لهذه الاحتفالات ، ومازلت أحرص على الاهتمام بهذه الاحتفاليات
(( الطيارات الورقية ))
** ومع بداية هذه المرحلة تعرفت على بعض الأقارب ما لو كنت أعرفهم لأول مرة ،ربما كانت السبب في ذلك ارتباطي الوثيق بأسرتي في المرحلة الابتدائية

** ومن هؤلاء أبناء عمة والدتي ( مصطفى ويوسف ) الذين يسكنون  في منزل جدتي بعرفان بالدور الثاني علوي، تعرفت منهم  على ممارسات عديدة منها زراعة النباتات في البلكونة وانبهرت بالبغبغانات التي يربونها أيضا في البلكونة ، وتعلمت منهم عمل ( الطيارات الورقية ) ولم أمارس هذه الهواية إلا قليلا واكتفيت باكتساب خبرة عنها .
(( التجول مع اسامة ابن عمتي ))
** ومن هؤلاء الأقارب أيضا ابن عمتي أسامة حرصت على التجول معه في فترات الأجازة والاعياد ... وعن طريقه تعرفت على العلاقات الاجتماعية بين الزملاء من نفس السن وكنت اجاريه في لعب الكرة بالشارع مع زملائه  في منطقته وأرافقه للذهاب الى السينما  أو الذهاب الى الصيد ، ولاحظت أنه يفوقني خبرة بالاماكن والطرق والعلاقات بين الزملاء .
(( سرقة ساعة ))
** اذكر في بداية السنة الأولى الاعدادية أن تلميذا بالفصل سرقت منه ساعته ، تم تفتيش جميع التلاميذ بالفصل  فظهرت الساعة مع أحد التلاميذ بنفس الفصل
** أتى الينا مدرس الموسيقى في أحد الدروس وفي أثناء عدم وجود الولد السارق ... ونصحنا بشدة قائلا ما معناه ان الولد عاقبناه عقاب شديد والمطلوب منكم ألا يتفوه أحد بكلمة ياحرامي  ولابد من معاملته معاملة عادية ونعتبر حادثة السرقة كأنها لم تكن ، وأفهمنا المدرس اننا لابد أن نساعدهذا الولد على ألا يرتكب مثل هذا الخطأ مرة ثانية .
** لاحظت التزاما من معظم التلاميذ بارشادات هذا المدرس ، وكنت أكثر التزاما نهم لدرجت أنني أشفقت على هذا الولد واتخذته رفيقا لي في الفسحة وأحيانا أثناء عودتي من المدرسة ، لاحظت فيه ذكاءا  وحبا لقراءة مجلات الاطفال وكان متفوقا في الرسم أيضا وكنت أتنافس معه في رسم المدرسين والشخصيات البارزة
** تعاطفت معه وخاصة عندما وجدته يتصبب عرقا غزيرا عندما يذكره أحد الزملاء بحادثة السرقة
** وتعاطفت معه أيضا عندما وجدت مدرس الر سم يقول له يوما ان هذا الرسم ليس رسمك ، وانك تسرق الرسم كما سرقت الساعة من قبل .
** لاحظت أن هذا الولد وصل به الحرج والخزي لدرجة كبيرة وكاد يسقط على الأرض من كلمات المدرس ، فتذكرت وصايا مدرس الموسيقى  بأننا لابد أن نعامل هذا الولد معاملة عادية
** ازداد عطفي على هذا الزميل وحرصت على مرافقته حتى القرب من منزله ولكني حرصت أيضا ألا أعرفه بيتي
** تعلمت منه بعض الألعاب الجماعية والفردية التي لم أعرفها من قبل  وكنت أسعد عندما ينضم الينا أكثرمن زميل للعب معنا
** وبدا من هذا الزميل شهامة في بعض الأحيان عندما يدافع عني اذا تعرضت لمعاكسات من بعض التلاميذ كما كنت أيضا أقف بجانبه عندما يتعرض هو لمعايرة أحد الزملاء له بالسرقة ، وحرصت ألا أدافع عنه في خطأه ولكني كنت دائما ارفع من روحه المعنوية باسلوب غير مباشر  .
** لم تدم هذه الزمالة لأكثر من ثلاث سنوات دراسية  ولم تتطور الى صداقة ومحبة ، ولم أنسى ابدا فعلته في كل لحظة أرافقه فيها وكنت أحرص على مصارحة أسرتي  بكل شيء لدرجة انني كنت أقول أمامهم الولد  اللي سرق الساعة .   
((وفاة زميل ))
\** اتذكر أيضا أنه في بداية السنة الأولى كان بالفصل زميل هادئ الطباع ضعيف الجسم وتبدو عليه علامة الانيميا  وفوجئت أنه يشتم بالفاظ قبيحة ويبدو أنه كان يقلد الآخرين واتذكر قولي له مش حرام كده تسب الدين ؟ فوجدته لا يعيرني اهتماما ويعيد السباب .. حدث عادي جدا ولكن ما جعلني أتذكره أن بعد حوالي اسبوع من هذا الموقف علمت بوفاة هذا الولد  ، تأثرت كثيرا بخبر وفاته لدرجة أن والدتي لا حظت اضطرابي في هذا اليوم .
** بدأت أتساءل كثيرا عن حقيقة الموت ، هل الذي يموت تصعد روحه  بمجرد وفاته أم تبقى محبوسة  بالقبر أو معلقة بالسماء حتى مجيء يوم القيامة حيث يكون الحساب .
** وهل للجنة درجات وللنار درجات  واقتنعت أن فترة انتظار الروح ليوم لقيامة فترة طويلة  لكنها تمر بسرعة كما تمر ساعات النوم ، ودليل على ذلك قصة اهل الكهف (مكثنا يوما أو بعض يوم ) .
** تتزاحم  التساؤلات الى عقلي  وتزاحم ذاكرتي بالاحداث التي أتذكرها عن هذا الزميل ، وبدأت ألجأ الى الصلاة وانتظم فيها وأصلي ركعات للشكر والاستغفار وعاهدت نفسي ألا أذهب الى الفراش الا بعد اتمام الصلوات الخمسة ، حتى ولو صليتها جميعها مرة واحدة قبل النوم . 
**واستمر هذا العهد حتى الفترة  الحالية وان مرت فترات بينية قليلة من التكاسل وعدم الالتزام ، ولكي أحمي نفسي من التكاسل اتخذت عهدا آخرا وهو الالتزام بالصلوات الأساسية والفروض  دون  الصلوات الاضافية السنن والنوافل والتراويح .... وما شابه ذلك 
** وفي هذه الفترة ( المرحلة الاعدادية )  كتبت الآيات والسور القصيرة التي أحفظها في ورقة لكي تكون معي دائما  لمراجعتها خوفا من نسيانها .
** وفي بعض الأحيان كنت أضع  الورقة أمامي أثناء الصلاة حتى أقرأ  منها الآيات الصعبة الحفظ ، كماكنت أفعل ذلك مع بعض الادعية والأحاديث
** ووجدت نفسي أيضا أهتم بتنظيم أوقاتي بين اللعب والصلاة والاطلاع ورعاية النباتات  وممارسة الهوايات ، كما وجدت نفسي أيضا أهتم بملابسي واختيارها .
** وعموما فإنني منذ بدأت الصلاة وحتى هذه اللحظة اعتبر أن الصلاة هي دخول الانسان في حالة اتصال مع الرب وانعزال تام عن الآخرين وعن ممارسة أي شيء فيما عدا القراءات والركعات المفروضة  ولا يمكن قطع هذه الحالة إلا بعد اتمام الصلاة بالتسليم 
(( الاستاذ قدري ))
** وكنت انظم مصروفي الشهري الذي كنت أحصل عليه واستقطع منه جزء لادخاره في دفتر توفير المدرسة عند الاستاذ/ قدري - الاخصائي الاجتماعي .
** وحرصت ايضا على تنظيم كتبي وأدواتي المدرسية بداخل درج بالمكتب أو درفة مخصصة لي بالدولاب وكذلك المجلات والكتب الثقافية وكنت أهتم أيضا بتصنيفها .
** ونمت عندي في هذه الفترة هواية  اقتناء الاشياء الغريبة مثل طوابع البريد والعملات التذكارية والأوراق المجففة .
** ورغم اهتمامي بالتنظيم إلا أنني كنت أدرك جيدا بأهمية تغيير النظام وعدم الاقتناع التام بأن هذا هو النظام المثالي الذي لا يقبل التطوير .
** أذكر أنني عندما كنت أجد مجموعة من الكراكيب  المتناثرة بالمنزل ... أقوم  بتحريك بعضها وتغييرموضعها  للوصول الى أفضل وضع مريح للنفس والعين
** وحرصت منذ هذه الفترة بالحرص على ارتداء الساعة في جميع الأوقات وعدم خلعها إلا في وقت الوضوء
(( قراءة المجلات ))
** نشأت في هذه المرحلة هواية  قراءة  مجلات الأطفال ، اتفقت مع بائع المجلات على استبدال مجلة بوميا نظيرقرش واحد أدفعه يوما واليوم التالي لا أدفع شيئا حتى يصير ثمن الاستبدال نصف قرش ، كان البائع يندهش لهذا الاتفاق الذي اقترحته وقال الي انت ف سنة كام وعندما أرد عليه اني في اولى اعدادي يندهش لحجمي الصغير ثم يوجه كلامه لبعض الاطفال ويقول لهم شوفوا الشطارة .
(( هواية جمع الطوابع ))
** وعندما بدأت هواية جمع الطوابع كنت أجمعها من الرسائل القديمة  التي تخص والدي أو خالي  وانتزعها بعد غمرالظروف في الماء الدافئ ثم تجفيفها وتقسيمها الى مجموعات تبعا للبلاد أو تبعا للمناسبات أو الموضوعات
** بدأت الهواية بلصقها في كراسة خاصة ، وبعد ذلك بدأت اعمل جرابات بالكراسة حتى لا أضطر الى لصقها وحتى يمكن لي استبدال المكرر منها ، ثم اشتريت بعد ذلك ألبوم خاص من المكتبة
** هذه الهوابة اتاحت لي الفرصة للتعامل مع أصدقاءلهم نفس الهواية واستطعت بالاستبدال ان اكون مجموعات كثيرة من الطوابع
(( طابع بريد مقابل لقمة من السندوتش ))
** ومن الطرائف أنني حصلت من أحد الزملاء على طابع مميز مقابل  لقمة من السندوتش
** وأذكر أن احد التلاميذ اقترض مني قرش ونصف  ومضت الأسابيع دون أن يرد المبلغ وعندا علم أنني أهوى جمع الطوابع أعطاني بثمنهم طوابع ، رضيت بهذه المقايضة  واعتبرتها مناسبة
** اتذكر أن سرق من أحد التلاميذ أحد الطوابع  التي اعتز بها ولكنني استطعت استرجاعه  بالاستعانة بأحد المدرسين
** أنماط كثيرة من التلاميذ تدل لى اختلافات كبيرة  بينهم في التنشئة و التربية 
** اتذكر أن والدتي في احد المرات وعندما وجدت أنني أخذت ثمرة صغيرة من الخرشوف أعجبتني فأخذتها دون محاسبة البائع فأمرتني أمي بضرورة رد هذه  الخرشوفة .
(( المراهنة نوع من القمار ))
** واتذكرأيضا أن أمي منعتنا اللعب مع اخوتي على رهان باشياء منزلية غير ذات قيمة ( علب فارغة  ) باعتباره نوع من القمار
** ورغم ذلك كنت أجد الزملاء يعتبرون الرهان شيء عادي ومباح ويتبعونه أثناء لعبهم الكرة وكانوا يستعينون بي في حفظ الرهان لحين تسليمه للفريق الفائز كنت أقبل ذلك ولكن على مضض، لأنني كنت مقتنعا بأن الرهان خطأ كما عرفت من توجيهات أسرتي
** وكانت تعليمات الأم والأب دائما تسري في أذني وكنت دائما على اشد الثقة بانهم على حق في كل ما يرشدوني اليه.
(( الحاوي ))
** وفي حالات قليلة كنت أتمردعلى تعليماتهم وأقف في الطريق لمشاهدة الحاوي بالعابة السحرية التي كانت تجتذبني وخاصة عندما أجده يخرج  الكتكوت من فمه ويجمع الكوتشينة من الهواء
** وعندما أرجع المنزل أحاول تقليد الساحربابتكار ألعاب غريبة أستعرضها على افراد أسرتي أو أقاربي ولا يرتاح بالي إلا اذا صارحت أسرتي بأنني وقفت في الطريق لمشاهدة الحاوي حيث كانت الصراحة بالنسبة لي هي أهم التعليمات التي تلقيتها من الأسرة ولابد من اتباعها
** وأثناء عودتي مع زملائي من المدرسة اكتشف أثناء السير معهم أنهم يختلفون عني كثيرا في ظروف النشأة فبعضهم يشترك في نادي والآخر يذهب الى السينما بمفرده ويشاهد أفلام فريد شوقي والآخر يستأجرالدراجة في الاعياد والاجازات وآخر يعاكس البنات في الشارع
** كنت أسايرهم في التحدث معهم ولم أحاول تقليدهم وازداد اقتناعي بأن الحياة فيها الجيد وفيها السيء ولابد أن يكون للانسان عقلا سليما للتفكير والتمييز والاختيار .
** ومن الصفات السيئة التي لاحظتها بكثرة  عدم التزامهم برد الكتب والمجلات في المواعيد المتفق عليها  مما كان يضطرني الى الذهاب الى منازلهم لمطالبتهم بما أخذوه مني
** وكان بالمدرسة الاعدادية قلة من التلاميذ الذين أتبادل معهم الحديث أثناء الفسحة واتبادل معهم الثقافات وألعب معهم الألعاب الخفيفة عير العنيفة
(( حكايات الأفلام ))
** وكنت أندهش لأحدهم الذي كان يأتي في الصباح وقبل الطابور يحكي قصة فيلم الليلة السابقة كاملا بكل تفاصيله
** أندهش لهذه القدرة الفائقة على سرد الاحداث كاملة رغم أنه لم يكن متفوقا في الدراسة
(( من أجمل ذكريات المدرسة الاعدادية ))
** وأجمل ما كان في المدرسة الاعدادية أنه في الصباح الباكرلابد من اذاعة القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت  بواسطة جهاز الاسطوانات بحجرة الاخصائي الاجتماعي الاستاذ / قدري
** وفي خلال الفسحة كان لابد من اذاعة أغاني أم كلثوم  واتذكر منها فكروني أمل حياتي انت عمري
** وفي خلال الفسحة أيضا كان لابد من اقامة مباريات كرة القدم بين الفصول ويقوم أحد المدرسين بتحكيم المبارة وأحيانا أحد الطلبة ، وفي البرنامج الاذاعي بالفسحة تقدم فقرة تعليق على المباراة ويذكر فيها اهم أحداث المباراة ومحرزي الأهداف والفرص الضائعة وغير ذلك
** وفي رمضان تمنع المباريات وتستبدل بمسابقات في شد الحبل بين الفصول لحين الانتهاء من شهر رمضان
** وكان لابد من توزيع الميداليات على تلاميذ الفصل الفائز في دوري الفصول .
كنت أسعد كثيرا بهذا النظام في المدرسة ،ولم اشعر بالقيمة الكبيرة له إلا عندما اشتغلت بالتربية والتعليم فيما بعد وعرفت أن التعليم تدهور كثيرا ، وأن الأنشطة المزعومة حاليا ليست إلا حبر على ورق ، ولحسن الحظ أنني حصلت على الصورة التالية فيما بعد للمكان الذي كانت تقدم فيه روائع الاذاعة المدرسية في طابور الصباح وطابور الفسحة .
(( المكتبة المدرسية ))
**كنت صديقا للمكتبة في المدرسة الاعدادية وحريصا على استعارة كتب الاطفال  وكان ذلك تعويضا عن عدم اشتراكي في الانشطة الرياضية والاجتماعية بالمدرسة
** وكثيرا ما كنت أغير مساري بالمدرسة لاكتشاف طرق جديدة وخلال السير أقرأ عناوين الشوارع والحارات وأسماء المحلات
** أذكر جيدا حصولي على 38 من 40 في امتحان اللغة الانجليزية بالصف الأول الاعدادي وكان سبب نقص الدرجتين  هو ارتباكي في حل سؤال كنت أعرف اجابته جيدا وأتذكر يومها أن والدي وبخني كثيرا على هذا الخطأ عندما كان يراجع معي الامتحان .
(( كذبة ابريل ))
** اتذكر في هذه الفترة أن اقارب والدتي حضروا الينا في أول ابريل ومعهم هدية علبة جاتوه مغلقة  وعندما انصرفوا وفتحنا العلبة وجدنا بها مجموعة من المحارات وطحالب خضراء ومكتوب بينها كل سنة وانتو طيبين كذبة ابريل ، وبتفحص مكان جلسوهم وجدنا كيس حلوى تم اخفائه تحت احدى الوسادات ، فرحنا في هذا اليوم على هذه المداعبة الظريفة وتركت ذكرى جميلة في نفسي .
** لم تكن حياتي في هذه الفترة الاعدادية مثل حياة الاطفال العاديين كنتا أبدو بالنسبة لهم غريبا  في الطباع وقليلا ما كنت اشاركهم اللعب والحديث حتى لقبوني  باسم  ( اليهودي )
(( تصرفات أكبر من سني ))
** كنت أصغر سنا من زملائي بالدراسة بما يقرب من سنتين وأصغر منهم حجما لكني كنت أشعر أنني أكبر منهم وأقدر منهم على ادراك بعض الأمور
** في ذات يوم واثناء ذهابي مع اختي لشراء التموين لم يعجبني اهمال البائع في تنظيف يده بعد تعبئة الجاز وقبل تعبئة المواد الغذائية حيث يكتفي بتجفيف يده بقطعة من القماش بدت سوداء من كثرة الاستعمال ... لم أتردد في أن أقول له أمام الزبائن اغسل ايدك قبل تعبئة السكر ما أثار غضب البائع واندهاش الزبائن وأخذ البائع يوبخني
 بكلماته الانفعالية ، ولم أكترث بكلام البائع وشعرت بالارتياح لأنني تشجعت بمصارحة هذا البائع وكسرت حاجز الخوف والحرج . 
** أذكر أيضا أنني في هذه الفترة كنت أوصي المراقبين على أخي في امتحان الابتدائية كما لو كنت أكبر منه كثيرا برغم أنني لا أكبره إلا بسنتين فقط ، وأذكر أنه في ذلك اليوم ضحك المراقبون اندهاشا على هذه التوصية
(( عند الحلاق ))
** وفي كثير  من الأحيان عندما أذهب الى الحلاق يوم الجمعة مع أخي وفي وجود ازدحام من الرجال المنتظرين ، كنت أعترض على أن يؤخذ دوري باعتباري طفل ، وكان الحلاق يقول لي انت دايما مستعجل .... 
**لم يعجبني الانتظار طويلا عند الحلاق لأنني أسمع عندالحلاق أحاديثا لا تعجبني في شتى الموضوعات عن العلم والدين والسياسة وكنت أندهش للآراء الغيرمنطقية على الاطلاق وأكتم اعتراضي على هذه الآراء  واكتفي بالنظر الى الساعة التي حرصت على ارتدائها في يدي واحسب الوقت الضائع عند الحلاق وكانه وقتا ضائعا من حياتي .
 (( النادي الصيفي ))
** تعلمت من النادي الصيفي بالمدرسة الاعدادية  ألعابا رياضية مثل البنج بونج والراكت وغيرها ولكني لم أتفوق في هذه الألعاب وكنت أكثرميلا إلى الألعاب الذهنية وعندما أتعلم منها شيئا اسرع بتعليمها الى أفراد اسرتي حتى يمكن أن امارسها معهم في البيت ... ولما كانت الفرصة غير سانحة لشراء هذه الألعاب بمصروفي الصغير فقمت بصناعة الطاولة والكوتشينة والليدو والدمينو والشطرنج بواسطة الكرتون وأحيانا الشمع في صناعة الدومينو ..
ولم يمضي طويلا حتى اشتركت مع اخوتي بمصروفنا واشترينا هذه الألعاب  لكي تكون متاحة لنا بالمنزل .
(( التعرف على كثير من الألعاب وتعليمها لأفراد أسرتي ))
** ويالها من فرحة شديدة في كل مرة أشتري لعبة مثل الطاولة أو الشطرنج واستمتاعي برائحة الورنيش الذي يدل على حداثتها .
** ازداد الاهتمام بهذه الألعاب  وخاصة في المرحلة اللاحقة الثانوية حتى أصبح البيت في الصيف مثل النادي نلعب فيه بمختلف الألعاب مع الأقارب الذين يأتون لزيارتنا
** من هؤلاء الأقارب هو اسامة ابن عمتي  الذي تحدثت عنه وكنت أذهب معه كثيرا الى نادي السكة الحديد للعب الطاولة والشطرنج أو أذهب معه الى  صيد السمك في المينا الشرقية بمحطة الرمل
** وكانت مغامرة من الأسرة أن يسمحوا لي بالذهاب الى الصيد ولم يكن من السهولة هذا السماح ولكن نتيجة كثير من الطلب والالحاح .
(( رحلات مع عمي ))
** في هذه الفترة كان عمي – الأصغر سنا من والدي – المتزوج حديثا – يصطحبنا مع زوجته أومعه للذهاب الى المعرض أو الملاهي  - بالازاريطة  أو الى
 (( جمال عبد الناصر ))
** في هذه الفترة كنت أجد الناس من حولي في الشارع وفي المدرسة وبكل مكان يحبون الزعيم جمال عبد الناصر حبا شديدا ويعلقوا عليه آمالا كثيرة كما لوكان هذا الزعيم الأب الأكبرلهذا الشعب .
** كنت اتساءل كعادتي عن هذا الافراط في الحب وأقول في نفسي ماذا يحدث لو توفي جمال عبد الناصر ، ما مقدار الحزن الذي سيحزنه الناس .
** وبعد فترة ليست طويلة حدث موت الزعيم ووجدت حزنا غير عاديا  من الملايين .
** انتهت المرحلة الاعدادية بتفوقي قي مادة العلوم57/60 والرياضيات 60/60 ، والمجموع العام حوالي 80% ولم تكن هذه النتيجة بسبب كثرة المذاكرة فقد كنت اذاكرواركز كثيرا على المواد المحببة
المرحلة الثانوية
** بدأت هذه المرحلة بدخولي مدرسة اسكندرية الثانوية حيث الطلاب المشاكسين الذين يتفننون في معاكسة المدرسين ، وكنت بطبعي ملتزما بأخلاقيات تمنعني من مشاركتهم ومجاراتهم في سلوكياتهم تجاه المدرسين
** كانوا يخصصون يوما محددا في الأسبوع للهروب الجماعي من المدرسة الى السينما أو التسكع بالشوارع والحدائق ولا يبقى من الفصل إلا أنا والقليل من الطلاب الملتزمين وبعض الطلاب الذين يؤجلون هروبهم الى يوم آخر .
** كان هذا المناخ لا يشجعني على التركيز مع المدرس أثناء الحصة بالاضافة إلى أنني كعادتي لا أذاكر كثيرا في البيت .
(( الأسماء لا تعلل ))
** وأعجبتني كلمة قالها أحد المدرسين ظلت راسخة أيضا وهي أن الاسماء لا تعلل ، وأن فعل الانسان وشخصيته هي التي تصنع الاسم ، وقد يكون ذلك هو سبب عزمي على سلك طريق الابتكار والتميز لتكوين اسمي وشخصيتي بين الناس
 (( رحلة الى مصانع دمنهور بالمرحلة الثانوية ))
** ذهبنا الى رحلة الى عدد من المصانع بدمنهور منها مصانع السجاد  والورق والحرير الصناعي وكانت الرحلة بالقطار الذي استغرق وقتا طويلا لأنه كان يمر بجميع المراكز ، ومن خلال هذه الرحلة اكتسبت معلومات كثيرة عن هذه الصناعات ، فقد كانت هذه المعلومات اجابات كثيرة على ما دار في عقلي من تساؤلات حول هذه الصناعات الأساسية ، وبعد زيارات المصانع قضينا باقي الوقت في الاستاد ، وهناك تناولنا وجبة غذاء جيدة أذكرها بسلة بالرز واللحم وكانت وجبة شهية جعلتني اعتبر الرز والبسلة وجبتان متلازمتان ، وكالمعتاد لم أشارك في كرة القدم التي كان الغالبية يعتبرونها هي أساس الرحلة
** وعلى مدى الثلاثة سنوات في هذه المرحلة كانت أعمال السنة قليلة جدا بالنسبة لآخر العام
** وفي السنة الأولى الثانوية كان يؤرقني خوفي من عدم الحصول على درجات في المواد العلمية تؤهلني للقسم العلمي فلم أجد للقسم العلمي بديلا . وكنت كارها بشدة للتعامل مع المواد التي تحتاج الى حفظ بدون فهم ، وكانت من أشد الكوابيس أن أفشل في دخول القسم العلمي
ولم يهدأ بالي في هذه السنة إلا بعد أن ظهرت النتيجة وانتهت الاجازة الصيفية وتأكدت بأنني دخلت الصف الثاني العلمي
** ولم تكن الرغبة في القسم العلمي نتيجة رغبتي في دخول كلية الطب أو الهندسة كما كان شائعا بين كثيرمن الطلاب ، ولكن لأنني أحب دراسة العلوم الطبيعية والرياضيات ،وكنت أعتبر أن الدراسة الادبية تعتمد أولا وأخيرا على الحفظ والاعتماد على الذاكرة فقط .
** لم يكن هدفي دخول احدى كليات القمة ولم أسع الى التفوق الشديد الذي يؤهلني الى هذه الكليات ، واستمر الحال على أنني لا أذاكر إلا عندما تأتي لي الرغبة في ذلك وكأنني أقرأ الجرائد أو المجلات .
** ولم تكن من عادتي وطباعي هو التخطيط الدقيق للمستقبل لأنني أجد أن القوى الخارجية والنصيب أقوى دائما من تخطيط الانسان .
(( حلم بدخول كلية الزراعة ))
** ولكن في بعض الأحيان اسبح في خيالات وتطلعات أو طموحات كنت أعتبرها غير ممكنة وهي دخولي كلية الزراعة وامتلاكي لمزرعة صغيرة لتربية النباتات والحيوانات والدواجن ليس من أجل اكتناز المال أو لتحقيق مركز اجتماعي ولكن لاشباع رغبتي في التعرف على الحياه بصورها المختلفة المعقدة الغامضة  والتي تعتبر لغزا يجب السعي لأجل اكتشافه
** وكنت طيلة فترة الدراسة أتمنى أن استمر في دراسة المعلومات عن الأحياء ... وقد ترجع هذه الرغبة الى تعاطفي الشديد مع كثير من المخلوقات الضعيفة والتي كنت أرى أن الانسان قاسي جدا عليها .
** لذلك كنت أعدل عن تطلعاتي وأحلامي بشأن امتلاك مزرعة للطيور الى امتلاكي مزرعة لطيور الزينة
** أذكر أنه كانت من أصعب المواقف التي كنت أمر بها عندما تطلب أمي أو غيرها أن أمسك له الدجاجة أثناء ذبحها وخاصة عندما تكون الدجاجة قد اعتدت على تربيتها وتقديم الغذاء لها يوميا
** وكنت كثيرا ما أتهرب من هذه المهمة واتركها لآخر وخاصة في أيام المواسم
** أما بعد الذبح فكنت لا أتردد في الوقوف بجوار والدتي أثناء التنظيف واستخراج الأحشاء والتعرف على أجزائها الداخلية .
(( كلبين رضيعين ))
** وفي صباح أحد الأيام عندما كنت نازلا على السلم متوجها الى المدرسة وجدت كلبين رضيعين يصيحان تحت احدى درجات السلم ... فأمسكتهم ... وصعدت بهم الى المنزل وقدمت اليهم بعض من اللبن والخبز ، ووضعتهما تحت قفص بجوار باب الشقة – حدث ذلك رغم أنني لم اتعامل من قبل مع الكلاب وكنت أخاف نهم  ولم أكن راغبا في اقتناء الكلبين  وتربيتهم لمدة طويلة ، ولكن الدافع كان عطفي عليهم في هذه السن الصغيرة ولمنع الأطفال في الشارع من ايذائهم ، فكنت أنوي تربيتهم حتى يعتمدوا على  انفسهم ، ولكن بعد عودتي من المدرسة اشتد غيظي عندما علمت أن جدتي سربتهم إلى مكان بعيد
(( في حديقة الحيوان ))
** أتذكر في أواخر هذه المرحلة وأوائل المرحلة الجامعية كنت أحاول اشباع  رغبتي في التآنس مع الحيوانات  وذلك من خلال زيارات الى حديقة الحيوانات  بمفردي وقضاء أوقات طويلة متجولا بين أقفاص الحيوانات ومتأملا سلوكياتها  الفطرية التي تشبه كثيرا لسلوكيات البشر الفطرية
** ولكن متعتي بالتجول في حديقة الحيوان لم تكن كاملة لأنني كنت أجد الحيوانات حبيسة داخل أقفاصها مثل السجناء
** كنت أشعر بهذا الشعور  وخاصة عند المرور باقفاص الاسود والنمور وبعض الحيوانات التي تدور في القفص بحثا عن الخلاص ، وعندما أشاهد الأسد محبوسا اتذكره في الغابة ملكا مختالا وليس محبوسا .
** وحتى جبلاية القرود كنت أجد أنها غير مناسبة  لحياة القرود  لأنها تنمي طباعا غير فطرية عند االقرود مثل الاعتماد على الحارس في اعداد الطعام  لهم وظهور طباع الاستجداء الى الناس من أجل بعض من بذور السوداني أو أوراق الخس .
** كنت أتمنى أن اشاهد هذه الحيوانات في بيئتها الطبيعية  أو مشاهدتها في حديقة حيوان مفنتوحة .
** اتذكر حرصي الشديد على مشاهدة برنامج عالم الحيوان  بالتليفزيون ، كنت أقدر جهود العلماء الأوروبيين في المحافظة على بعض الحيوانات من الانقراض  وجهودهم في دراسة الكثير عن هذه الحيوانات
** وأتذكر اعجابي بمن يتعاطفون بشدة مع الحيوانات متسائلا  ما هو العامل الذي أدى الى  ظهور هذا التعاطف مع الحيوانات ... أهو دين  يتمسكون به أو ضمير يحركهم  أو مبادئ خلقية يلتزمون بها
** أذكر أنني في أحد الأيام واثناء زيارتي للحديقة بمفردي احرص على كتابة أسماء الحيوانات وفصائلها ورسمها أحيانا  لملاحظة أوجه التشابه والاختلاف بين الأنواع والفصائل  المحتلفة
** وأذكر شرائي دليل حديقة الحيوان من موظفة شباك التذاكر ولاحظت مظاهر اندهاش عند الموظفة لهذا الطلب .
(( بين الآثار ))
** اتذكر أيضا في هذه المرحلة ذهابي بمفردي الى المتاحف الأثرية لمشاهدة القطع الأثرية القديمة جدا  والتي تحمل معها المعاني والأفكار  الكثيرة عن الزمن وقوة تأثيره على الأشياء
ومن هذه الاشياء التي أتذكرها جيدا هي قطع القماش المصنوعة من الكتان بالمتحف الروماني والتي كان يرتديها القدماء منذ آلا السنين
** كنت أقف أمامها طويلا  ليس تأملا في روعة النسيج او طريقته  أو الألوان ، وانما رغبة في تخيل ذلك الزمان البعيد وتخيل  الشخص الذى كان يرتدي هذه الملابس  والذي صنعها والذي نسجها  ... الى أين ذهبوا هؤلاء ومتى ذهبوا كنت أشعر أنهم قريبين جدا مني  وصورهم أمامي  وأن الزمن بيننا ليس طويلا  وانه بعد ألف سنة أخرى سيأتي من يشاهد آثارنا  وملابسنا
** أثناء وقوفي بين الآثار لا أجد صمتا بل ضجيجا  من الكلمات  التي تحكي عن الزمن  بأقوال حكيمة  تحتاج الى مزيد من التكر والتأمل
** وعندما شاهدني الحارس في احد المرات ظن أنني ابحث عن الباب  وقال لي ما معناه الباب من هنا .
أتذكر وقوفي أمام المومياءات  المحنطة واتساءل هل هذا الانسان كان عادلا أو ظالما مرحا أم مكتئبا  أين ذهبت هذه الصفات  ، لم يبق إلا الجسد  المحنط المجفف  ولكنه يحكي بصمته  الرهيب قصته مع آلاف السنين  التي قضاها محنطا .
** كنت أفضل الذهاب بمفردي الى  المتحف والمناطق الأثرية  حتى استطيع أن أعيش حالات التأمل والتأثر بدون مشتتات
(( هواية القراءة للكتب العلمية ))
** عندما دخلت الصف الثاني بالقسم العلمي هدأت نفسي كثيرا وبدأت في زيادة نشاطي بالقراءة الخارجية في مكتبة المدرسة .
** كنت أستعير من مكتبة المدرسة كتبا شيقة عن العلوم الطبيعية وعلاقتها بالحياة العملية أو كتبا عن علم النفس أو كتب تحكي عن تاريخ وعادات الشعوب ، وكتب عن الأمثال الشعبية
** وفي فترة معينة هويت قراء بعض المسرحيات لتوفيق الحكيم أو لغيره من أدباء
 ** وفي هذه الفترة اشتركت في رحلة الى دمنهور وأخرى الى كفر الدوار   ، ورشيد   .
** وكان غرضي الأول من هذه الرحلات هو الحصول على معلومات جديدة ، لأنني كنت مدركا  بأنني في مرحلة تكوين الشخصية  ولابد من معرفة الكثير عند الكثير من المجالات
(( في منزل جدتي أم والدتي ))
** وفي الصف الثالث الثانوي قضيت جزء من السنة الدراسية عند جدتي التي تسكن بعرفان  حيث الهدوء الملائم للمذاكرة في أيام الامتحانات
** لكن هذا الهدوء لم يساعدنى كثيرا على المذاكرة ، لأن عاداتي  وطباعي تجعلني أسرح مع هذا الهدوء الى أفكار كثيرة قد تكون مرتبطة بالدراسة وقد تكون بعيده جدا عنها .
** وتارة ارسم بكراسة المذاكرة ، وتارة أعمل تجربة علمية مقررة علينا بالعلوم أو غير مقرره
** وعلى سبيل المثال كنت أحاول  ابتكار طريقة لعمل جرس كهربائي يدق  عند فتح الباب وذلك للحماية من اللصوص وخاصة أثناء غياب جدتي وخالي  وتركي نائما  بمفردي بالمنزل
وفي الحقيقة انني لم أصمم هذا الجهاز كاملا وانما كنت  ارسم الدوائر الكهربية وأطورها عتى أصل الى التصميم المناسب وذلك على الاوراق دون اتمام عملية التنفيذ
** ثم انتقل الى عمل تلكسوب من عدسات النظارات القدمة  أو عمل بوصلة  بواسطة مغنطة ابرة عادية  أو باستخدام مغناطيس أحصل اليه من بين الاشياء القديمة
** أتذكر في هذه الفترة أنني لاحظت أن زجاج البلكونة كان يهتز بشدة  أثناء عمل الفرن البعيد عن المنزل  مما جعلني استنتج حدوث تشابه بين ترد ماكينة الفرن مع تردد  زجاج  البلكونة
** أي أن هدوء المكان  لم يساعدني على الدراسة بقدر ما كان يساعدني على اطالة لحظات التأمل والتفكير والبحث
** ولكن لا يمكتن إغفال  أن تواجدي  عند جدتي في فترات الامتحان كان يوفر لي مزيد من  الوقت للابتعاد عن المشاكل  التي كانت تحدث في منزلنا في هذه الفترة كما سيأتي الذكر فيما بعد  الى جانب ارتياحي من مشاوير  شراء حاجيات المنزل من الخبز والخضروات .
** أتذكر في منزل جدتي أنه من الوسائل التي اهتديت  اليها للتأكد من عدم دخول أحد اثناء نومي  بالشقة أنني أضع ورقة صغير غير ملحوظة بين درفتي الباب ، فإن صحوت من النوم ووجدت أن هذه الورقة لم تسقط  معنى ذلك أنه لا يوجد أحد غيري بالمنزل ولم يدخل أحد اثناء نومي
** وأثناء مذاكرة مادة الأحياء  يتحول ذهني الى التفكير في نظرية التطور  ومدى صحتها ، وانطباقها على الكائنات الحية التي نعرفها
** وكذلك كانت عادتي  منذ االمرحلة الابتدائية  فعندما درست الجهاز الهضمي بدأت اتخيل  اثناء تناول الطعام برحلة الطعام دخوله الى الفم  ثم الشارع  ثم االمعدة وتطبيق .
 (( الاجابة على الأسئلة الصعبة ))
** وعن حالتي الدراسية في هذه المرحلة فكنت أعتمد على الأسابيع القليلة قبل الامتحان لاستذكار الدروس بجدية  وتركيز
** ولكنني كنت اتابع الشرح جيدا في حالة الدروس التي أميل اليها وتشغل دائرة اهتمامي
وكثيرا ما كنت أجيب على أسئلة تتطلب قدر من التركيز  ويعجز عنها الزملاء ، ومن هذه الاسئلة التي أتذكرها أسئلة في البلاغة والنحو والتي كان يخصص لهاا المدرس نصف قرش مقابل حلها
** وكان لفوزي  بالنصف قرش لأكثر من مرة اختارني مدرس اللغة العربية في مسابقة أوائل الطلبة على مستوى المدرسة  وأذكر أن هذا الاختيار كان محل تردد عند بعض المدرسين الذين لا يعرفونني جيدا ، واتذكر أنني في المسابقة قمت الاجابة أيضا على سؤال ذكاء  عجز فيه جميع الزملاء أيضا وانقذتهم بالاجابة عليه .
** وعموما إن المستوى الدراسي بدأ يقل منذ السنة الأولى الثانوي حتى الثالثة لدرجة انني لم أتوقع نجاحا وتفوقا في الثانوية العامة  ولكنني بفضل الله  ثم المجهود الذي بذلته  في الشهر الأخير استطعت أن انجح بمجموع 65%  أهلني لكلية الزراعة بكفر الشيخ
(( أول قفزة من الفرحة ))
** وأتذكر أن خبر نجاحي كان أكبر فرحة شعرت بها ووجدت نفسي لأول مرة أقفز من الفرحة عندما جاءت ورقة ترشيحي لكلية الزراعة بكر الشيخ عن طريق البريد
(( اهتمامي بأختي الصغرى ))
** ومما أذكره أيضا في هذه المرحلة أنني كنت أشعر بالسعادة البالغة  والراحة النفسية عندما أوصل اختي الصغيرة ( عبير ) من وإلى الحضانة  وخلال الطريق كنت أحمل لها الحقيبة  ، واتحدث معها طوال الطريق عن الموضوعات التي تناسب سنها الصغير
** وتزداد سعادتي عندما أجدها مبتهجة  بأحاديثي  وتفضلني عن الآخرين في توصيلها
** وفي المنزل أيضا كنت أحرص على مداعبتها  وحكاية الحواديت لها  قبل النوم  وكنت البي لها طلبها في حكاية الحواديت التي تروق لها
** كنت أشعر بسعادة غامرة عندما أجد نفسي أعطيها الاهتمام والحب كما لو كنت والدها .
** وفي السنوات التي تلت هذه المرحلة كنت حريصا على اصطحابها معي لزيارة الاقاريب في الاعياد أو زيارة المتاحف كما كان يفعل والدي معنا
** كان من الممكن أن اتنزه بمفردي  أو مع الزملاء  والاصدقاء  لكنني  أشعر دائما برغبة في العطاء وفعل الخير وذلك من خلال رعايتي لأختي
كما كنت أعتبر فعل الخير للآخرين هو خير لي لأنه يجلب لي حالة من الرضا والارتياح
(( توصيل الصدقة ))
** وكنت اشعر بسعادة وارتياح عندما تطلب مني أمي توصيل الصدقة الى احدى الاسر الفقيرة  بجوار المنزل ، وكنت أتنافس مع أخوتي أحيانا للقيام بهذه المهمة
** واحيانا كنت ازيد على النقود  التي تعطيها لي أمي  دون أن يعلم أحد  ، لأنني علمت أنه لا يجب أن يجهرالشخص بصدقاته الى الآخرين وخاصة لأن أحد سكان الشارع كان يتباهى بأن يوزع اللحوم في عيد الأضحى باسلوب استعراضي وكان هذا الاسلوب يستهجنه كل من أب وأمي . 
** أذكر أنني عندما كنت أعطي الصدقة الى السيدة الفقيرة التي تسكن بجوار المنزل  كنت أخترع لها سببا يجعلها تأخذ الصدقة برأس مرفوعة ... كأن اقول لها مثلا (حلاة نجاحي– حلاوة نجاح اختي ... )
أذكر أنني كنت أحيانا انذر مبلغا من المال أدفعه لها عندما أنجح واستمر هذا الحال طيلة سنوات الدراسة  بالكلية وعندما رسبت في السنة الرابعة بالكلية أوفيت بنذري وقلت لها أيضا حلاوة نجاحي .
** وفي احدى المرات عندما وجدت  بنت السيدة الفقيرة ولاحظت ان الابنة ترفض هذا المبلغ كررت لها خدي الفلوس اعطيها لأمك ... كما لوكانت هذه الفلوس مقابل شيء ، حيث كانت هذه السيدة تبيع لنا  التموين في بعض الأحيان حتى ترتزق بفارق السعر وكانت والدتي توافق على ذلك ارضاءا لها بالاضافة الى مساعدة لها ايضا  .
(( مع ابن عمتي ))
** في هذه المرحلة وخاصة في بدايتها ذادت صلتي بابن عمتي أسامة فكثيرا ما كنت أذهب اليه والى أسرته واتعرف على اصدقائه  واذهب معهم الى الصيد  أو التجول بمحطة الرمل أو الذهاب السينما
 (( مع موسيقى بنت البلد ))
** وأذكر أنني ذهبت معه الى نادي الأولمبي  الرياضي لكي يجري  امتحانا للدخول في الفريق الرياضي  ... في هذا اليوم  لم انتبه إلى أي شيء  عن الاختبارات الرياضية
** حيث أعجبتني االكافتريا  بالنادي  وجلست على احدى الكراسي البامبو  بالحديقة بمفردي  اتابع بنظري وفكري كل من حولي وأكثر ما اتذكره في هذا اليوم  استمتاعي الشديد بموسيقى جميلة كانت مذاعة من خلال اسطوانة  وعرفت فيما بعد انها موسيقى ( بنت البلد ) لمحمد عبد الوهاب .
** كثير من المواقف كنت أتذكرها  نتيجة ارتباطها بأغتية او موسيقى أسمعها أورائحة أشمها او منظر أنفعل به
 (( قصة كفاح والدتي ))
** في هذه الفترة كنت أعاصر قصة كفاح عظيمة صنعتها والدتي عندما كانت تذاكر مع أختي بالصف الأول الثانوي  بدون علم أقارب زوجها وكانت تذهب الى امتحانات  الدراسة المنزلية  مع أختي بحجة توصيلها ، ورغم أنها دخلت القسم الادبي إلا أنها أحيانا كانت تساعد أختي في مادة الهندسة والجبر
** عندما حصلت والدتي على الثانوية العامة بعد عنائها الشديد في الاستذكار سرا والتعرض لمواقف كثيرة  شديدة الصعوبة أعلنت والدتي خبر نجاحها للعائلة ...  ودخلت الجامعة بكلية الاداب بقسم اللغة العربية
** وكان هذا الخبر مفاجأة شديدة للأقارب عندما اكتشفوا أنها ذاكرت ثلاثة سنوات دراسة منزلية بدون علمهم .
** وأكثر ما كان يدهشني ... أن والدتي كانت تستطيع المذاكرة والدموع في عينيها  من أثر البكاء وكان ذلك يزيدني اشفاقا عليها  وتقديرا لها ، وكان ذلك ايضا يجبرني على التنازل عن كثيرا من طلباتي احتراما لصلابة الأم وتحديها أصعب المواقف .
** في هذه المرحلة وبعد  التقلبات النفسية وبعد اهتمامي بمادة الأحياء ونظرية التطور بدأت أتساءل لماذ خلق الله الناس ثم يعذبهم .
 (( مفيش حد فاصل في الطبيعة ))
** واتذكر جيدا كلمة قالها المدرس أثناء الشرح لدرس في الأحياء ( مفيش في الطبيعة حد فاصل )
** قال هذه العبارة بسرعة وبصوت خافت .. ولكنني استطعت  أن التقطها لأنها أصابت جزء من مجال تفكيري واهتمامي
** حيث كنت دائما اميل الى التفكير في معاني الأشياء  وحدودها وتقسيمها  وتصنيفها تماما كما في مرحلة الطفولة المبكرة عندما كنت أبحث عن حدود المنطقة  التي أعيش فيها وحدود الأرض والبحروالسماء
** كانت هذه العبارة ترجمة جيدة لمجموعة من الاستنتاجات التي وصلت اليها .
** في هذه المرحلة – المرحلة الثانوية – عاصرت موقف قد يظن  البعض أنها لا تهمني كثيرا  ,... اكنني اعتبرها مواقف وأحداث  لها التأثير الشديد  في تكوين شخصيتي  وكانت لها دلالة كبيرة على  غرابة في الطباع تجعلني مختلفا عن أقراني  في نفس السن .
 (( مهربي الى حديقة الحيوان ))
** ومن أهم الأماكن التي حرصت على التردد اليها حديقة الحيوان فقد كانت الملجأ لي عند الشعور بالضيق ، كنت أجد أمامي تفرعات الأشجار الكثيفة وثناياها الكثيرة وتشققاتها والطرق الصاعدة والهابطة والروائح الهادئة والروائح الحامية أيضا ، كلها كانت قراءات تسليني وتخرجني من همومي الى حد ما .
(( اللجوء الى قصر الثقافة ))
** وكانت بداية اهتمامي بقصر الثقافة في السنة الثالثة الثانوي وأجازة الصيف  كنت أجد ميلا لقراءة الكتب العلمية عن العلوم الطبيعية وعن علوم النفس والاجتماع .
** ومن الحسنات التي أذكرها لوالدي أنه أرشدني الى قصر الثقافة كمكان للمعرفة وقضاء أوقات الفراغ وبدأت ارتياد مكتبة قصر ثقافة الحرية ومنها الى المرسم ثم الموسيقى كما سأذكر فيما بعد .
** كنت الاحظ ارتباطا بين العلوم وبعضها  ، ولكني أيقنت أن العلوم الدينية نوعا مستقلا من المعرفة لا يقبل  المناقشات  وانما يعتمد على ايمان فطري بالله وبالعقيدة ايمانا  يسمو فوق كل طريقة للتفكير والبحث والاستنتاج
** لم يكن اهتمامي بالقراءات العلمية من أجل التعرف على معلومات للتشدق بها أمام الآخرين ولكن لغرض استخدامها في الحياة العامة .
** واختلفت مع أحد الاصدقاء عندما لاحظت أنه يقول أنه يقرأ من أجل ألا يظهر جاهلا أمام الآخرين وأن يستطيع الرد والمحاورة مع الأشخاص المثقفين . لأنني كنت أقرأ من أجل الاستفادة وافادة الآخرين  بما قرأته من معلومات مفيدة تواجه خرافات ومعتقدات خاطئة كثيرا ما تكون منتشرة عند الكثير من العامة 
** وكان لي هدف آخر ايضا وهو اكتشاف الآخرين ومدى اهتمامهم بالأمور الفكرية حتى أجد منهم رفيق يشاركني وحدتي في أغلب الأحيان .
(( لم أكن هادئا ))
** كنت أرغب أن يفهمني الناس جيدا ، وأكثر ما كان  يصدمني هو فهم الآخرين لي بصورة خاطئة حتى ولو كانت الصورة أفضل من الواقع .
** وفي الحقيقة أنني مازلت أعيش هذه المعاناة ، فالبعض يجدني هادئا خاملا رغم كل ما يدور في عقلي من أفكار كثيرة وقضايا ومشكلات معقدة  وفي قلبي مشاعر ملتهبة ، منها الحب المفرط والكراهية المفرطة أيضا
** كان الكثيرون يعتقدون أنني أعيش عيشة هادئة في ظل عائلة مستقرة لا يعكر صفوها أي من المشاكل 
** وهذا الاعتقاد أعتبره مشكلة كبيرة لمخالفته للواقع الذي أعيش فيه منذ خروجي الى الدنيا وسط جو مليء بالمتناقضات والصراعات والتعقيدات التي لم تجعلني أعيش طفولة سوية مثل بقية الأطفال .
** وقد يكون ذلك هو سبب اهتمامي بالاطفال وحبي لهم  وتقديري لكل سلوك طفولي بريء عند الانسان وعند الحيوان ايضا .
((  سقوط امرأة في حفرة ))
** وفي هذه الفترة ( بداية المرحلة الثانوية ) عاصرت حادثة سقوط امرأة في احد الشقوق بشارع النبي دانيال بالاسكندرية وفشل رجال الانقاذ في انتشالها  واخراجها حية أو ميتة ، وأذكر أن هذه الحادثة تبعتها السنة كثيرة من الناس يقولون كيف نخرج اسرائيل من سنا ونحن لم نستطع اخراج المرأة المفقودة أو حل لغز فقدها على الأقل .
الى ان حدثت حرب أكتوبر1973 وأذكر الناس وهو يصغون الى البيانات العسكرية  باهتمام شديد ويتابعون كلمات البيانات بكل دقة فقد تكون بيانات وهمية كمثل التي كانت في نكسة 5 يونيو 1967
** وبدأ على الناس اقتناعا بأن البيانات العسكرية حقيقية  واننا في طريق النصر باذن الله .
** كنت في بداية الصف الثالث الثانوي  انفعل مع الناس وأشعر  بالرغبة في الخلاص من الاحتلال الاسرائيلي لسيناء والخلاص من الوضع  المهين والجمود  الذي أصاب حياة الناس وانتظارهم لوعود غير مقنعة .
** كنت أشعر بوطنية متوهجة  وانتماء الى بلدي العريقة  أحفاد بناة الأهرام والآثار الخالدة  وكانت من هواياتي في هذه الفترة عمل تماثيل بالصلصال والجبس  ومنها تمثال لتوت عنخ آمون ، ورقص فرعوني .
** وعندما التحقت بالمرسم فيما بعد  وعندما كنت أرسم الطبيعة الصامتة كنت أجد نفسي لا شعوريا متأثرا  بشموخ الأهرامات ووقفات التماثيل الفرعونية التي تنظر الى الافق البعيد بكل ثقة وثبات وكأنها تتحدى الزمن  وتقول لنا انني قطعة آثار باقية عبر الزمان  وشاهدت قبلكم أجيالا كثيرة .
** كنت أثناء سماعي لأخبار الحرب في الراديو ومتابعتها في الجرائد كان يلازمني شعورين متضادين ، شعور بالفرحة عندما أعلم أن أراضي مصرية قد تحررت  ورجعت الى الوطن الأم .
والشعور الآخر عندما أسمع المعارك مستمرة على طول الجبهات  فكنت أتخيل جبهات القتال  بما يدور فيها من عنف  وقتل وتدمير والاحساس بالتألم على حال  الجنود البشر الأبرياء  المصريين والاسرائيليين أيضا  والذين يتعذبون نفسيا وجسديا ، والحزن على الاسر التي فقدت ابنائها أو عوائلها وما يتبع ذلك من حياة تعيسة .
** لم يكن حزني على الجنود الذين قتلوا وانتهت حياتهم بقدر حزني على المصابين الذين يعيشون طول حياتهم مع اعاقاتهم وآلامهم ، وحزني أيضا على معاناة أهلهم بعد فقدانهم .
(( العمل بالصيف في شركة غزل ))
**في أجازة صيف الثانوية 1974 التحقت بالعمل لمدة شهر بشركة الاسكندرية ضمن خطة تابعة للمحافظة لتشغيل الطلاب صيفا مقابل مبلغ بسيط ( 3 جنيه تقريبا )  ،  وفي أول يوم عمل وجدت نفسي أجلس على كرسي في مكاتب المحاسبة ، سألتهم ما هو العمل قيل لي ما معناه لا شيء ، مجرد الجلوس فقط ، لم يعجبني ذلك ، فعرضت المساعدة عليهم ، وقمت باجراء العمليات الحسابية على الآلات الحاسبة البدائية الغير كهربائية ، وحتى استفيد بالساعات الطويلة التي كنت أقضيها تعلمت الكتابة على الآلة الكاتبة لدرجة أنني صممت بها جداول كنت أكتب فيها رغباتي من الكليات ، وفي أوقات أخرى أرسم الأشخاص المحيطين بي وكنت أجد فيهم كثير من الصفات الكاريكاتيرية فمنهم التخين ذو الكرش ومنهم النحيف ومنهم ذو الشنب الكثيف والأنف الطويلة . وبعد فترة طلبت منهم أن انزل الى المصنع للتعرف على أعمال الغزل ، وبعد كثير من الالحاح سمحوا لي بالنزول ، وتعرفت على معمل الاختبارات ، ورغم أن فترة العمل لم تستغرق أكثر من شهر إلا أنني استفدت منها العديد من الخبرات .
المرحلة الجامعية
** تبدأ هذه المرحلة منذ دخولي كلية الزراعة بكفر الشيخ وتعرفي على الحياة الجامعية بما فيها من نظام جديد للتدريس  وعدم التقيد بحضور جميع المحاضرات
** وبما فيها من زملاء جدد من الكلية ومن المدينة الجامعية ارتبط بهم كثيرا في أوقات الفراغ ما بين المحاضرات بالكافيتريا وبالمدينة الجامعية
** اكتشفت أنني أقدر من كثير من الزملاء على التفكير المنطقي رغم أنني كنت أصغر منهم سنا وأقل منهم خبرة في العلاقات الاجتماعية ، فقد كانت لي القدرة على التمييز بين الأشخاص والتنبؤ  بأفعالهم وآرائهم وكشف اكاذيبهم وحيلهم  والتنبؤ بردود أفعالهم
** كانت لا تعجبني صفات حب الظهور واستعراض الملابس واستعراض ( الجدعنة ) ولاحظت منهم من يهتم بالامور الدينية اهتماما سطحيا ، بدون الخوض في الموضوعات التي لها علاقة بالاخلاق والتعاملات .
 (( في المدينة الجامعية ))
**وفي المدينة الجامعية قضيت السنة الأولى  مع اشخاص مختلفين الطبائع ، وتعتبر هذه السنة من اهم السنوات التي حدث فيها تحول كبير في شخصيتي واكتساب خبرات اجتماعية كثيرة ، تعلمت أن أتعامل بطرق مختلفة تبعا للشخصية التي أتعامل معها ، تعلمت ألا أخاصم أحدا ، ولم يكن ذلك إلا بعد تجارب عديدة ومخاصمات ومصادمات شديدة .
** كنت اتواصل مع اسرتي بالرسائل وخاصة اذا طال غيابي أكثر من أسبوع
(( مشاركة في المقالب المضحكة ))
** وكنت أشارك زملائي في المرح بطريقتي ففي أحد الأيام اقترحت على زميل / مصطفى جوجو وهو لونه أسود قاتم وسمين وأسنانه تبدو بيضاء اقترحت عليه عمل مقلب مع أحد الزملاء بأن يدخل في دولاب أحد الزملاء ويفاجئه عندما يفتح الدولاب ، ومر هذا المقلب بسلام والضحك والمرح .
** وكانت لي بعض القفشات أيضا في الكلام ففي أحد المرات عندما كنا نتناول العشاء في المطعم وكان يضم البنات والأولاد ، ولاحظنا احد البنات تتناول الطعام بأطراف أصابعها و برقة متناهية ، فقلت لزملائي قد تكون في بيتها تتناول الأكل باديها ورجليها كمان
** وفي أحد المرات أثناء شيوع اغنية فاتت جنبنا غنيتها باسم ( فاتن جنبنا ) وذلك عندما كان بالقسم زميلة اسمها فاتن .
** وفي المدينة الجامعية أيضا تعرفت على أشخاص لديهم هوايات ومواهب فمنهم من يعزف العود ( شحاتة انطون ) ويلحن اغنية أعجبتنب بعنوان ( ان طويت في القلب دمعة ) ومنهم من يغني أغاني شعبية ريفية (عصام الزلباني ) ومنهم من يقرا القرآن  ، ومنهم من يجيد الخطابة في المسجد ومنهم من يجيد التحدث في السياسة ( علاء المهداوي ) .
** ومنهم مصطفى جوجو الذي حرر مجلة حائط باسم ( طناش ) وبها تعرض المقالات في أوراق بيضاء محروقة الاطراف ، وبها نقد لأوضاع اجتماعية واقتصادية سيئة باسلوب ساخر ، أذكر منه مذكرات شخص يقوم من النوم وعندما يذهب الى الحمام بجد الماء مقطوع وعندما يفتح النور يجد الكهرباء مقطوعة أيضا وكذلك حرارة التليفون وتتوالى الأحداث حتى يذهب الى عمله متأخرا .... الخ
** وكان لهذا الاختلاط والتفاعل الاجتماعي الأثر في قلة التركيز على المذاكرة مع زيادة في التفكر والتأمل في الاختلافات الشديدة بين البشر ، وما هو الصح وما الخطأ ما الفرق بين الزمالة والصداقة والحب ، هل الصداقة لابد أن تكون بين شخصين متشابهين في الميول أم ان الصداقة يمكن أن تتم بين اشخاص متباينين في الميول والطباع .
** ازداد اعتقادي بأنه لا يوجد شيء مطلق ... فالصداقة والعداوة تقعان على خط مستقيم وبينهما توجد درجات وكذلك الحب والكره – التسامح والحقد – الأمانة والخيانة ، أدون هذه الأفكارفي مذكرات أكتبها ثم أمزقها ثم أعيد كتابتها بتعديل جديد  .
(( من مذكرات المدينة الجامعية بكفر الشيخ ))
** أثناء السكن بالمدينة الجامعية بكفر الشيخ كنا نذهب أحيانا الى الاستاد للاستمتاع بالجلوس في الكافتريا والتجول في المدينة وأحيانا الجلوس في مقاهي المدينة ،ولكنني كنت أفضل السير بالحقول المجاورة والتجول في الطرق المحاطة بأشجار الكازورينا ، ولم أصارح زملائي بهذا التفضيل حتى لا أبدو غريبا عنهم ، وكثيرا ما كنت أقتنص فرصة للتجول بمفردي بين الحقول وفي مزرعة الكلية ، وكنت أشتري الخس من الأرض مباشرة فيبدو طعمه ألذ كثيرا مما يباع في الأسواق ، وكان ذلك لأنه طازجا ومحتفظا بالسائل اللبني الذي يسيل  من خلال عروق الأوراق عند قطعها ، وكثيرا ما كنت أستفسر عن المعلومات الزراعية من عمال المزرعة 
** أذكر ذات يوم في المدينة الجامعية بعد الاستيقاظ من نومي في المغرب والذهاب الى مطعم المدينة الجامعية لتناول العشاء ذهبت الى المطعم في الساعة السابعة مساءا معتقدا انني ذاهب لإفطار اليوم التالي ، ولم أشعر بأن ذلك هو العشاء إلا بعدما لاحظت أن الشمس بدأت تغيب ، وكنت أظنها شمس الصباح .
** ومن ذكريات المدينة الجماعية تكالبنا على ( عم سلامة ) لكي نستلم منها الجوابات من أسرنا واذكر كلمته المشهورة بلهجته الريفية ( مفيش جوابات النهاردة )
 (( بدء تعلم الموسيقى ))
** مع نهاية المرحلة المدرسية وبداية هذه المرحلة ( الجامعية )  اكتشفت أن لي القدرة على النقر بالاصابع كلها  للحصول على ايقاعات مختلفة ومضبوطة  وسريعة وكنت بأصابعي الخمسة أستطيع أن أقلد العديد من الايقاعات .
** في أثناء فترة المدرسة تعلمت قليل من الجمل الموسيقية على البيانو أو الاكورديون أو الاكسيلوفون ولكن في مرحلة الكلية بدأت أكثف جهدي في التعلم ودراسة النوتة الموسيقية وقراءة الصولفيج  والتعرف على المقامات .
(( بدء تعلم الجيتار ))
** وبعد فترة قصيرة من الاشتراك بقسم تعليم الموسيقى حدث أن أتى والدي ذات يوم في صيف 1975  وبعد انتهاء مرحلة كفر الشيخ  من عند أقاربي وأخبرني بأن عندهم جيتار قديم فشلت بنتهم في التعلم عليه  وقال لي والدي اذهب عندهم  وخذ الجيتار وتعلم عليه طالما أن تهوى تعلم الموسيقى .
** نزلت مسرعا ليلا  للذهاب الى الاقارب  وأخذت الجيتار وكنت مترددا لأنني لم استأذن صاحبته  ولكي أبرر موقفي أمام نفسي  قلت في نفسي أنني  سوف أغير له الاوتار المقطوعة  واتعلم عليه  بقيمة هذه الاوتار ثم أعيده اليها مرة أخرى .
** بدأت التعلم عليه  ونجحت في حفظ مقطوعات كثيرة  ومنه اكتشفت معلومات كثير كنت أجهلها واكتشفت أن الموسيقى بحرها واسع وأنها ليست سهلة في تعلمها واكتشفت أن التدريب  يؤدي الوصول الى مستوى عال يصعب توقعه
** وبعدما كنت لا أستطيع التفرقة بين نغمتين بعيدتين في الموسيقى استطعت أن أميز بين نغمتين بينهما اقل من ربع تون  , اصبحت أستطيع ضبط الأوتار جيدا وازداد مستوى العزف  يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر
(( عزف منفرد لموسيقى  السعادة ))
** وعندما وصلت الى درجة من الثبات النسبي في المستوى استطعت أن أعزف عزفا منفردا في حفلة بالكلية لقيت اعجابا شديد رغم أنني لم أكن على رضا تام بالعزف وكنت أشعر أنني لم أتقن العزف للدرجة التي تستحق هذا الاعجاب والتصفيق .
** في هذا اليوم شعرت بأنني لم انجح في العزف وانما نجحت في امتحان عسير هو مواجهة الجمهور والتغلب على الخجل والتردد الذي كنت أعاني منه .
** لم تكن هذه المرة هي المرة الأولى لمواجهة جمهور المستمعين ولكني اعتدت العزف مع المجموعة بقصر الثقافة .
** ولم تكن لي الموهبة الخالصة في العزف  ولكن كانت لدي رغبة في تعلم الموسيقى واكتشافها ومعرفة أسرارها  لاعتبارها من أحب الفنون وكنت مقتنعا أن  الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي وحدت بين الشعوب وهي اللغة الوحيدة التي تم اتفاق جميع المجتمعات على طريقة واحدة في تدوينها
(( صعوبة في التعلم ))
** لم أتعلم العزف على الجيتار بسهولة  وبسرعة بل كنت كثيرا ما أقضي الساعات الطويلة  لكي أحفظ جملة واحدة  أو جملتين لغرض التدريب فقط  وكنت أمتلك اصرارا شديدا على ضرورة  التعلم
وعندما بدأت تزداد المهارة في العزف أصبح الجيتار خير صديق – حيث أقضي معه الكثير من الأوقات وأنسى وحدتي وأنا في رفقته .
** وبعد سنتين من بداية تعلم الجيتار اشتريت جيتار جديد خاص بي  وعلمت أختي الصغرى عزف بعض المقطوعات على الاورج  الذي اشتريته  لها بمالي الخاص الذي كنت اتقاضاة من العمل الموسمي بمزرعة الكلية كما سأحكي فيما بعد 
** كان الجيتار خير صديق فهو ينسيني جميع المتاعب مثل انتظار صديق لم يأت في ميعاده أو بعد العودة من امتحان صعب بالكلية أو حدوث مشكلة بالمنزل .
** أصبحت الموسيقى أمام أصدقائي علامة مميزة لشخصيتي  وكان للموسيقى فضلا في انساع دائرة الصداقات .
** ووجدت بعض الاصدقاء يميلون الى استماع بعض أغاني سيد درويش عندما أغنيها مع العزف
واصبحت الموسيقى مجالا للحديث الممتع والمفيد مع الاصدقاء ذوي نفس الاهتمام  وكنا نتبادل معا الخبرات  والمعلومات عن الموسيقى ومقاماتها وايقاعاتها
(( العزف في الحديقة ))
** وكثيرا ما كنا نخرج من قصر الثقافة ومعنا آلاتنا الموسيقية التي نتعلم عليها  فنتوجه الى حديقة من الحدائق  نستعيد ما تعلمناه  ونتدرب عليه  ونعزف جماعيا في الحديقة وكنا نلاحظ اعجابا من بعض زوار الحديقة
** وأحيانا كنا نتوجه الى حفلة موسيقية لسماع موسيقى كلاسيك أو غناء اوبرالي أو شرقي ومعظم الحفلات كانت مجاانية
(( الامسيات الثقافية ))
** وكنا نحرص على حضور الامسيات  الثقافية التي تقام بمناسبات مختلفة والتي يلقى بها الشعر الى جانب فقرات غنائية أو رقص شعبي أو باليه أو انشاد ديني أو موسيقى جاز.
** لم يكن مستوى العزف جيدا لدرجة الاشتراك في فرقة موسيقية لكن كان كافيا للاستمتاع بالعزف والغناء منفردا أو مع صحبة قليلة من الاصدقاء
(( تجربة مع الكمان ))
** علمت أن أحد زملاء الموسيقى لا يجيد العزف ولا يجيد الفهم للموسيقى واستطاع أن يلتحق بفرقة وعلمت أنه يتظاهر فيها بعزف الكمان مقابل جنيه في الحفلة وكأنه كومبارس لايؤدي عملا فنيا سوى أنه اضافة عدد للفرقة
حاولت تقليده من أجل الحصول على المال واشتريت كمان وبدأت أوجه اهتمامي لتعلمها الكمان  ربما يكون بواسطتها أن ارتزق منها مثل صاحبي وبدون مجهود وبدون عناء في التدريب  .
** ولكن بعد فترة قليلة من شراء الكمان والتعلم عليها كرهت هذه الفكرة ولم أقبل أن أحصل على مال مقابل أن أكون عددا واعتبرت أن ذلك نوع من الغش ، وتعمدت أن أسرع في ابيع الكمان بثمن زهيد جدا حتى أتخلص من هذه الفكرة .
** وأعتقد أنه من الأسباب التي جعلتني لم أميل في الاستمرار بعزف الكمان هو احتياجها لشخص ذو ثبات انفعالي الى حد كبير  بحيث يستطيع أن يكون رقيقا معها طول الوقت أما الجيتار فهو يناسب الاشخاص بكل الحالات الانفعالية تقريبا .
(( من أسباب ضعف مستوى العزف ))
** ومن العوائق التي كانت تعترضني في تعلم العزف هو سرعة تأثري  بالتغيرات المحيطة مما يؤدي الى حدوث اضطراب أثناء العزف في كثير من الأحوال .
** ولكن بتكرار التدريب  استطعت أن أعزف  وأغني بين مجموعة كبيرة واستطعت أن أعزف وأغني في حفلات مدرسية فيما بعد بالعراق كما سوف يأتي ذكره  .
** ورغم تفوق بعض الزملاء عني بالعزف في بداية تعلمي للموسيقى كان مدرس الموسيقى يكرر أمام زملائي " ان علاء فنان حتى ولو ماعزفش كويس "
** ومن أهم ما تعلمته من الموسيقى اكتساب معلومات كثيرة بالاضافة الى الاعتياد على الصبر والاصرار بالاضافة الى الى كثير من الاجتماعيات وأساليب التعامل مع الآخرين .
 (( موقفي من كرة القدم ))
** في المرحلة وما قبلها أيضا  لم تكن لي اهتمامات بالرياضة حتى بلغ موقفي من كرة القدم موقف السخرية حيث أنني أجد من السذاجة أن يقضي  الشخص ساعتين في مشاهدة مباراه  ما بها إلا كرة تروح وتجيئ  بين أقدام اللاعبين دون إحراز إلا أهداف قليلة  لا تتناسب مع هذا الوقت الطوبل  للمبارة وكنت أجد  أيضا أنه من السذاجة  أن يشجع كل فئة من الناس ناديا يتعصبون من أجله كما لو كان هذا النادي دينا ينتمون اليه ويدافعون عنه باستماتة .
** وكنت أجد فرقا كبيرا بين كرة القدم كرياضة بدنية وكرة القدم كمجال للتعصب والمجادلة واضاعة الوقت في المشاهدة دون المشاركة بعمل بناء .
** كنت افصل بين كرة القدم كنوع من الرياضة البدنية والنفسية حيث تروض النفس على قبول الهزيمة وأنها تروض النفس على العمل  الجماعي وتبعد الكثيرين من التسكع بالطرقات والمقاهي ، وبين كرة القدم كمجال لارهاق الابدان بالجلوس على كرسي  لمشاهدة  المباراه وارهاق الأذهان بالمجادلات والمشاحنات .
** كنت أدون هذه الأراء واحتفظ بها ونشرت بعضها في بعض مجلات الحائط في الكلية
** ورغم اقتناعي بكرة القدم كرياضة بدنية لا أنني لم أرغب يوما في ممارستها ... ولم اشجع الا الفريق القومي أو الفريق السكندري ... وأحيانا كنت أشجع الفريق الضعيف ضد الفريق القوي ، وذلك في حالة أن الفريق الضعيف يلعب بجدية  أما اذا حدث غير  ذلك فمن الممكن بسهولة وفي نفس المباراه أن يتحول تشجيعي الى الفريق القوي ضد الضعيف .
** ومن الغريب أن أصدقائي المقربين ( ناصر ومصطفى وعبد اللطيف ) لم تكن لهم ميول نحو تشجيع فريق كرة قدم ، وكثيرا ماكنا ننتهز فرصة مبارة بين الأهلي والزمالك وننزل للتجول في الشوارع الهادئة والتي لا يسمع فيها إلا صياح المتفرجين واستطعنا أن نميز بين الصياح العالي الذي يعني احراز هدف ، والصياح الأقل والذي يعني حدث آخر في المباراة ، ونتناول الحديث بالسخرية عن أنواع ودرجات الصياح أثناء مشاهدة المباريات
 (( العمل بالصيف في شركة الطوب الرملي ))
** وفي السنة التالية في أجازة السنة الأولى بالكلية وقبل التحويل الى جامعة الاسكندرية  عملت  كاتب ميزان في شركة الطوب الرملي – بمنطقة العجمي ، وفي هذه المرة كان العمل حقيقي وجاد وليس ضمن خطة المحافظة كما كان بالسنة الماضية ،  بل كان بوساطة خالي الذي كان يعمل مفتش أمن صناعي في هذه الفترة ، كنت أقوم بوزن السيارات قبل تحميلها وبعد تحميلها لتحديد الكمية ، وكانت السلعة المنتجة هي الجير الحي ، وكعادتي وحب استطلاعي تعرفت على معمل الشركة وعرفت التركيب الكيميائي للجير وطريقة تقدير جودته بعمل تفاعلات معينة ،  ولاحظت أن الموظفة القائمة على التحليل والاختبار لم تجهد نفسها في تفسيرات علمية ،  وما عليها فقط  إلا اجراءات روتينية تطبقها وتحدد بها جودة المنتج .
** وفي أوقات أخرى كنت أقوم بحصر العمال في الأفران ووتوقيعاتهم أو بصماتهم على الكشوف  ، وكانوا جميعا صعايدة تاركين بلادهم للعمل وكانت تأتي اليهم رسائل أقوم بقراءتها لهم ، ولاحظت غرائبا كثيرة منها أن غذائهم لم يكن جيد ، ولأول مرة أجد سندوتش لا يحتوي إلا على ثمرة طماطم فقط بأكلونه بكل شهية . 
**وفي هذه الشركة أيضا دفعني فضولي للذهاب على ظهر السيارات النقل الى المحاجر حيث كانوا يقطعون الحجارة التي يحولونها الى جير في المصنع ، وشاهدت أعمال التفجير بالديناميت وجمع الأحجار الكبيرة ( الدبش ) والأحجار الصغيرة ( الدقشوم ) .
** أذكر أننى تعرضت لمواقف رشوة من أجل السماح بالتغاضي عن وزن زائد وواجهت ذلك بالرفض القاطع وضرورة انزال الكمية الزائدة .
** وعندما كان العميل يعطيني بقشيش ، كنت أرفض ذلك بشدة وبعزة نفس ، واوجهه بان يعطي البقشيش للعمال وكأنني غير محتاج .
(( التحويل الى كلية الزراعة جامعة الاسكندرية ))
** بعد التحويل الى كلية الزراعة جامعة الاسكندرية ازدادت الأنشطة الفنية والاجتماعية وبدأ اهتمامي بالذهاب الى قصر الثقافة والاشتراك بالمكتبة وحضور ندواتها المختلفة  ، وحرصت على حضور الحفلات الخاصة بالقصر ومعارض الفن التشكيلي والتصوير وما غير ذلك
** وفي قصر الثقافة تعرفت على أصدقاء كثيرين يتعلمون الموسيقى  والغناء وغيرهم يتعلمون الرسم  وكانت صداقاتي من قصر الثقافة  أقوى واشد من صداقاتي بالكلية .
** وأذكر انني عندما اندمجت في الأنشطة  الفنية بالكلية واثناء احدى المناقشات المحتدمة مع أحد الطلاب من قيادات اتحاد الطلبة ، قال لي كلمة انك محتاج تفتيح . لم أنسى هذه الكلمة واعتبرتها دليلا على أن القيادات تحتاج الى مواصفات خاصة وهي التفتيح والذي يقصد به التحايل والمراوغة وما شابه ذلك ، وليست الكفاءة أو الموهبة .
 (( أسرة القناة ))
**  في بداية السنة الأولى بكلية الزراعة ابتعدت عن  التعامل مع الزملاء الذين يختلفون عني في الطباع ولكنني وجدت أن ذلك سوف يسبب عزلة عن الكثيرين فعزمت على أن أوسع دائرة أصدقائي بحيث تشمل الكثير من الأعداد والطبائع ، واعتبرت أن الكم الكثير من الاصدقاء أو الزملاء اتاح لي فرصة البحث والتجريب في عالم البشر ، بل استطعت أن اتعامل مع أشخاص  اتخذوا ضدي موقف عدائي  ، وبأسلوب خاص استطعت أن أكسبهم كأصدقاء وذلك بالابتعاد عن الدخول في نقاط الاختلاف
** وحتى تزداد خبرتي الاجتماعية اشتركت في أسرة القناة التي كانت تضم كثير من الطلاب من محافظات القناة الذين استوطنوا الاسكندرية هربا من حرب 67.
** اشتركت معهم في رحلاتهم وحفلاتهم ومعارضهم التي كاان منها معرض خاص بحرب اكتوبر ومنجزاتها  وكنت اشارك في المعرض بتنسيق المعروضات التي كان منها الصور وأجزاء من أسلحة ومخلفات الحرب ، واشتركت ايضا معهم كمرشد في المعرض أشرح ما وراء االمعروضات من حكايات وبطولات ، حتى ظن البعض أنني من أبناء محافظات القناة .
** وشاركت ايضا بعمل مجلات الحائط  وكنت أقدم فيها  المقالات الساخنة والكاريكاتير الناقد .
** وكنت أستعين بالالة الكاتبة أحيانا في كتابة مقالاتي فأذهب الى مكتب الآلة الكاتبة واستأجر فيه ساعة واكتب ما أريد .
(( مجلة العصر الحديث ))
** ومن هذه المجلات التي قمت بتحريرها من الألف الى الياء مجلة سميتها العصر الحديث وكنت أقدم فيها موضوعات متنوعة منها أخبار الفضاء وسفن الفضاء  ومحاولات الوصول الى المريخ بعد نجاح الهبوط على القمر .
** كما كتبت فيها موضوعات عن تطور الكائنات الحية والعصور الجيولوجية
** وكنت اتخذ صور جذابة لاجتذاب القراء في طرقة الكلية ومن هذه الصور التي أتذكر تأثيرها وجاذبيتها صورة الانسان الأول وهو يمسك اداة بدائية ويعيش في بيئة بها نباتات غريبة غير مالوفة وكانت مثل هذه الصور مثار جدل مع بعض الزملاء وخاصة ذوي الميول الدينية ، ولكني لم اصطدم كثيرا أنني اتخذت عهدا بأن اصاحب الجميع على اختلاف طبائعهم وميولهم وانتماءاتهم .
** ومما لا يجب اغفاله في مرحلة الكلية أن الكافتريا في كلية الزراعة كانت لها الفعالية الكبرى في تقوية العلاقات بين الاصدقاء .
 ( ما بين المحاضرات والسكاشن في كلية الزراعة )
** كان الوضع السائد أن لكل طالب شلة واحدة يصاحبهم في المحاضرات والكافتريا .
** ولكنني كنت أصاحب العديد من الشلل من أجل حب المعرفة والتجريب و الاستطلاع .
** أذكر يوما أثناء جلوسي بالكافتريا مع مجموعة من الزملاء اقترحت عليهم أن يكتب كل منها ورقة يوضح فيها رأيه في الآخرين  واحدا تلو الواحد  ثم تجمع المعلومات عن كل فرد  فتتحدد صفاته بدقة
** لاحظت بعد كتابة الأوراق وفحصها أن الآراء التي كتبت عني كانت متناقضة  فالبعض يقول طيب – انطوائي  - اجتماعي   ساهي  - فنان - لئيم .
** خرجت من هذه الجلسة  بعدة تساؤلات هل سبب  اختلاف الآراء عني أنني متقلب المزاج  ؟؟ أم لأنني غير واضح امام الآخرين ؟  أم أن الناس يخطئون  فهمي  ويفتقدون الدقة  في التقدير .
**وفي سنوات الكلية كنت أهتم بأغاني عبد الحليم حافظ الجديدة فاتت جنبنا ، قارئة الفنجان ، أي دمعة حزن لا ، موعود ، وكنا نحرص على السهر أمام التليفزيون في حفلة عيد الربيع ، وكنت أهتم أيضا بالفقرات ما قبل عبد الحليم وهي مونولوجات لبلبة وأحمد غانم وغيرهم ، ورغم حبي لأغاني عبد الحليم حافظ إلا أنني كنت متعاطفا مع فريد الاطرش عندما تم تقديم حفلته ليلة شم النسيم مما أثار غضب عبد الحليم حافظ ، واتذكر أغنية سنة وسنتين لفريد الأطرش واعجابي بها في هذه الحفلة .
** وفي هذه الفترة أيضا كانت لوردة الجزائرية شعبية كثيرة ، وكنت أستمتع بمقاطع معينة من أغانيها  ، ولكنني كنت أفضل أغانيها القديمة اسأل دموع عيني ، روحي وروحك ، لعبة الأيام .
** أما عن اغنيات أم كلثوم فكنت أستمتع بأغنية هجرتك التي كانت تذاع بالكافيتريا كثيرا فمازلت هذه الاغنية تذكرني بكافتريا الكلية كما أن أغنية فكروني وأمل حياتي تذكرني بالفسحة في المدرسة الاعدادية .
** عندما اتذكر استمتاعنا نحن الطلبة بالاغنيات الجديدة وابداعات المؤلفين والملحنين والمغنيين اتذكر حال شبابنا اليوم وغزو المهرجانات وقبحها ، والتي تعتبر انتكاسة للذوق العام وعودة الى ما قبل الحضارات حيث كانت الموسيقى تنحصر في قرع الطبول والصيحات العالية من أجل الاعلان عن القوة وأخافة الحيوانات والتخلص من الأرواح الشريرة .
** أذكر من المواقف المرحة بالكافتريا عندما يطلب من كل واحد أن يكتب سؤال في ورقة واجابة في ورقة أخرى ، وعندما يتم خلط جميع الأوراق واعادة قراءتها سؤال ثم جواب ، نجد أن الاجابات التي في غير محلها تكون مثار للضحك ، وعلى سبيل المثال : السؤال هل انت حمار ؟ الاجابة نعم .
(( رحلات في الكلية ))
** من هذه الرحلات كانت رحلة الى أبو قير ، وأذكر أن أحد الزملاء من فرقة السمسمية كانوا ضمن الرحلة وخلال هذه الرحلة كنت أحاول العزف على السمسمية بعد أن تعرفت منهم على طريقة العزف عليها.
** ورحلة أخرى كانت الى شاطئ العجمي وأذكر انها أثناء وفاة عبد الحليم حافظ وكانت الفنانة نادية لطفي بمنطقة العجمي تستعد للذهاب الى القاهرة لحضور جنازة عبد الحليم حافظ
** ورحلة أخرى الى المعمورة حيث يمتلك أحد الزملاء فايز عبد الحي شقة بالمعمورة دعانا اليها لقضاء رحلة الى المعمورة وكان ذلك صيفا .
(( رحلة الى الأقصر وأسوان في السنة الثالثة بالكلية ))
** اشتركت في رحلة الى الأقصر وأسوان ، وفي الأقصر لاحظت من الأحجار الملقاة على الأرض  عليها نقوش فرعونية ، تلكأت في جمعها ظنا بأنني سألقى الكثير منها ولكني عندما عدت اليها لم أعثر عليها ، فجمعت أحجار أخرى على سبيل الذكرى ، واشتريت العديد من الهدايا مثل الخواتم على شكل جعران .
** وفي هذه الرحلة اصطحبت معي كاميرا عتيقة حصلت عليها من ابن عمة والدتي وعرض النيجاتيف بها حوالي 5 سم ولا يباع الا عند محل واحد في الاسكندرية خلف الغرفة التجارية ويبدو أن هذه الكاميرا كانت من الكاميرات التي استعملها جدي في الأربعينات وما قبل ذلك وكانت الكاميرا جيدة ولكن في تصوير الأشياء الغير متحركة مثل التماثيل والأشخاص الواقفون دون حركة سريعة .
** وفي أسوان أعجبتني المدينة  وشعرت بأنها أجمل المدن بعد الاسكندرية وذلك لما لها من كورنيش النيل الذي يشبه كورنيش البحر بالاسكندرية ومياه النيل النظيفة والصخور التي تتوسطها ، وأذكر انني أثناء ركوبنا المركب الشراعي  وأثناء التهريج الشديد لاحظنا اتجاه المركب بسرعتها الى احدى الصخور وسط النهر ، وكان الاصطدام يبدو حتميا ، لذلك فقد  قفز بعض الزملاء الى الصخرة هربا من انقلاب المركب  المحتوم و الوقوع في النهر ، ولكن باعجوبة شديدة فقد اصطدمت المركب ولم تتحطم ولم تنقلب في النهر بل رشقت بين ثنيات الصخرة ، وأذكر أنني تسمرت في مكاني انتظارا للمصير المحتوم .
** وأثناء التجول في أسوان لاحظت أن الكثير من التجار ليسوا من أهل البلد لذلك فضلت أن أتجول بمفردي في احدى القرى البعيدة لكي أرى الحياة الطبيعية للسكان الأصليين  ، ومن الغرائب التي شاهدتها أنني رأيت بعض الأراضي بها صخور الجرانيت بطبيعتها في الأرض والناس يمشون عليها ويبنون بيوتهم فوقها .
** عدت من هذه الرحلة ومعي الهدايا التي أحضرتها لأخوتي ومنها خواتم على شكل جعران وما شابه ذلك ومصنوعات يدوية والتمر والسوداني والقصب ، وكانت من أمتع الرحلات .
 (( ممارسة الفن التشكيلي  في المرحلة الجامعية ))
** أما وعن الرسم والفنون التشكيلية فبدأت الاشتراك في المرسم في نفس الفترة التي اشتركت فيها بالموسيقى
** واكتسبت منه المعلومات والمهارات المختلفة  وتدربت على الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية والموديل  وحضرت ندوات كثيرة جعلتني أعرف الكثير عن  الفن التشكيلي الذي يجهال الكثيرين عنه
** كان ميلي الى الرسم أقوى من الموسيقى وكنت أشعر بموهبة حقيقية  في الرسم أنفرد بها بين زملائي 
** كنت أجد في ممارسة الرسم الحرية المطلقة للتعبير بدون التقيد الشديد بنوتة أوبلحن .
** ومن المرسم تعرفت على أشخاص اتخذتهم قدوة في حياتي العامة  وطريقة التفكير وهم من المشرفين بالمرسم ، وجدت فيهم طبيعة الفنان  والانسان الراقي المتحضر الذي يفكر باتزان وموضوعية ، الذي يقدر كل شيء مهما صغر ومهما اختلف عن المألوف .
** تعلمت من المشرفين بالمرسم أن احترم الآخرين ولا استهزئ بالامور البسيطة .
** ولم أمارس الفن التشكيلي في المرسم إلا عن طريق لوحات قليلة  اشتركت بها في معارض الهواة
أما الذي مارسته كثيرا في هذا المجال الاسكتشات الحركية التي كنت أرسمها في أي مكان وعلى أي ورقة بأي قلم
** وكنت أعتبر هذه الاسكتشات ناجحة في التعبير عن الحالة أثناء الرسم تعبيرا دقيقا  مثل حالة انتظار – حالة توتر  تفكير رعب  ... الخ
** وعن طريق التوجيهات من المشرفين استطعت ان اطور نفسي في رسم الاسكتشات  واستطعت أن أفهم معاني كثير من المصطلحات عن الفن التشكيلي ، وكثيرا ما كانت تقام ندوة في المرسم أو بمراكزثقافية أخرى تقام فيها المعارض
** تعلمت كثيرا من النقد الموجه لاعمالي وأعمال غيري من الاصدقاء وأعمال الفنانين الكبار أيضا .
** كنت أجد تزايدا تراكميا في حصيلة معارفي عن الفنون التشكيلية .
** لاحظت أنني استطعت فيما بعد أن أعرف مواطن الجمال باللوحة وأقدر مدى نجاح اللوحة والسلبيات التي بها ، وتعلمت أن لكل عمل فني مواطن ضعف ولا يوجد عمل فني متكامل  يخلو من السلبيات وانعكست هذه المعلومة على سلوكي  العام فأصبحت أتقبل  العيوب التي أواجها بصدر رحب  واعمل على اصلاحها بحكمة بدون اندفاع
** تعلمت من الفن النتشكيلي ألا انبهر لأي شيء غريب  في اللوحة الفنية أو أي عمل فني .
** لأن الغرابة قد لا يصحبها الجمال  وقد تكون الغرابة من أجل الاعلان عن شيء ما مثل سلعة تجارية  وما شابه ذلك مما يبعد عن أهداف العمل الفني .
** وجدت أن الاسكتشات السريعة هي الوسيلة التي تناسبني في التعبير عن حالاتي المتقلبة  ، وكنت أنظر الى الاسكتشات السابقة كتسجيل جيد  للحالة كنت أعيشها .
** وعندما شعرت بأهمية الاسكتشات جمعتها من أماكنها المتفرقة وأجريت عليها انتخابا للأصلح منها ، كما جمعت أيضا قصاصات  من كراسات المحاضرات أو من تذاكر دعوات الحفلات والمعارض
** وكنت أسعد كثيرا عندما أجد رسومي تتطور شهرا بعد شهر وسنة بعد سنة
** وفي السنة الأخيرة بالكلية وما بعدها وجدت نفسي أميل الى رسم علاقات تجريدية بين مساحات بيضاء وأخرى سوداء  وعلاقات بين خطوط حادة  الاستقامة وأخرى مرنة ذات انحناءات لطيفة وعلاقات بين اشكال هندسية  وأخرى هلامية
** كنت أشعر بارتياح شديد لهذه الاشكال ربما لأنها كانت تعبيرا حرا عن الحياة الواقعية التي أعيشها  وما أشاهده فيها من خير وشر ، قوي ضعيف ، كبير وصغير .
** ورغم قلة ممارستي للرسم داخل المرسم إلا أنني لاحظت اعجابا من بعض المشرفين تجاه أسلوبي التلقائي  الذي يبدو منفردا عن الآخرين .
** وسمعت أحدهم يقول ذات يوم أن ( علاء عندما يرسم الطبيعة الصامتة يضفي عليها انطباعاته فهو لا يرسم الزجاجة زجاجة ولا يرسم الفاكهة فاكهة بل انه يرسمها كأشياء حية تتكلم )
** عندما كنت أرسم بالمرسم أو بغيره كنت ألأنفعل بالرسم وأجد نفسي غير عابئ بترتيب معداتي وألواني  وقد تنسكب الألوان  وتقع الفرشاة نتيجة لفتة سريعة أثناء الرسم وكثيرا ما كانت ملابسي تعلق بها الألوان  وكذلك يداي ووجهي أحيانا .
** ومن المعوقات التي كانت تعترضني أثناء الرسم أنني في بعض الأحيان أرسم بانفعال شديد وأجد ميلا الى الألوان الساخنة واللمسات السريعة ، وعندما أكمل هذه اللوحة في يوم آخر ليس به نفس الاحساس تفسد اللوحة ، لذلك كنت أفضل اكمال اللوحة في نفس اليوم .
** وعندما كان المشرفون يأتون لنا بموديل في المرسم وهي سيدة فقيرة تسعى للارتزاق من هذه المهنة  ، كنت أجد نفسي حائرا  بين رغبتي لرسم هذه السيدة كانسانة فقيرة بائسة وبين رغبتي في رسمها موديل وي نهاية هذه الحيرة اجد نفسي رسمت شيء آخر .
** من أهم ما تعلمته من المرسم ألا أتعصب ضد الآخرين  وأن أضع في اعتباري أن لكل شخص ميوله الخاصة وتفكيره ومعتقداته ومن حقه أن يعبر عن نفسه بكل حرية .
** ومن الرسم والموسيقى تعلمت أن الانسان لا يساوي شيئا أمام المعارف الغزيرة ومن الخطأ أن يعتقد ان الانسان انه اكتفى بما تعلمه .
(( التعرف على الأصدقاء عن طريق الأنشطة الفنية  ))
** وعن طريق الرسم والموسيقى تعرفت على أشخاص لديهم نفس الاهتمامات كنت أشعر بالارتياح بصحبتهم وخاصة عندما نخرج معا في رحلات غير تقليدية الى أماكن هادئة مثل الملاحات  أو مزرعة كلية الزراعة  ، واحيانا كنا نذهب الى الأحياء القديمة ذات الطابع الخاص مثل كوم الدكة أو بحري .
** وكثيرا ما كنا نذهب الى الحفلات الموسيقية  ومعارض الفنون التشكيلية .
** أما مع أصدقاء الكلية فكنت أشعر معهم غالبا  بالملل من الاحاديث المتكررة ، وكنت أندهش عندما أسمع من احدهم يشكو من الملل من وقت الفراغ ، رغم أنني لم أشعر بوقت الفراغ بل كنت أشعر بأن الوقت لا يكفي لممارسة كل هواياتي
ولكنني حرصت على المحافظة على صداقات الكلية  حتى لا أظهر منعزلا  بين زملائي .
** تعلمت من هواياتي المتعددة أن للوقت اهمية كبرى وانعكس ذلك على سلوكي العام فكنت أحرص دائما على استخدام الساعة ولا أحاول اضاعة الوقت حتى في النوم .
** كنت أعتبر النوم اذا لم يؤدي وظيفته في تجديد النشاط فهو يشبه الموت  يجب أن يطرح من حياة الانسان
وكنت أعتبر اللحظات الضائعة  التي لم استخدمها في التعلم  أو الاستمتاع مثل الموت مطروحة من الحياة الفعلية للأنسان .
** تعلمت من اصدقاء المرسم والموسيقى الالتزام بمبادئ محددة وأهداف واضحة واعتقد أن هذا الالتزام هو حصن الانسان ضد  الانجراف وراء التيارات  الفكرية المتطرفة .
 (( في حديقة حيوان الجيزة وبعض معالم القاهرة ))
** أذكر أنني في هذه الفترة كنت أذهب مع اخي الى القاهرة لقضاء عدة أيام لكي يمتحن هو امتحان المعادلة  لدخول كلية التجارة وكان الامتحان يعقد في جامعة القاهرة
كنت أنتظر أخي يوميا لمدة ساعتين أو ثلاثة حتى يخرج من الامتحان ونظرا لأنني لا اطيق الانتظار طيلة هذه المدة فكنت أقضي جزء نها في حديقة حيوان الجيزة  المجاورة للجامعة
** وفي حديقة الحيوانات بالجيزة كنت أتجول بسرعة بين الأقفاص  الكثيرة التي تطل منها أنواع عديدة من الحيوانات الحبيسة التي يبدو أنها تريد الخلاص من الحبس .
** وأحيانا اترك مشاهدة الحيوانات وأوجه انتباهي للنظر الى الناس وسلوكياتهم المتعددة التي لا أستطيع جمعها في هذه المذكرات .
** وعندما أشعر بالوحدة في هذه الزيارة افتعل سؤالا لأحد المارة .... على سبيل المثال ( اين بيت الزواحف ) ( اين بيت الفيل ) ( دورة المياه ) .
** وفي داخل حديقة حيوان الجيزة كنت أتخذ طريقة لتحديد مواقع مدخل الحديقة باستخدام اتجاه الظلال التي تصنعها الشمس مع الاشياء واستطعت بهذه الطريقة أن اعتمد على نفسي في مشاهدة كل ما في الحديقة
** وكانت هذه الطريقة تساعدني على انهاء زيارتي للحديقة في موعد مناسب لكي ألحق بأخي في جامعة القاهرة
** يوم آخر بدلا من حديقة الحيوانات اذهب الى كلية الزراعة  المجاورة وذلك للتعرف على أقسامها
** وفي عصر هذه الايام كنت أترك أخي في اللوكاندة  يذاكر مع صديقه وانزل بمفردي  للتجول في الاسواق  والشوارع  والسير مسافات طويلة بالقاهرة وزيارة معالمها .
(( المتحف الزراعي ))
** يوم آخر أتوجه الى المتحف الزراعي وشاهدت فيه معروضات كثيرة ، أدركت أنه يجب على كل مصري أن يزور هذه المتحف للتعرف على بلده وتاريخها وحضارتها والتعرف على معلومات بيولوجية كثيرة ، هي بالتأكيد لها علاقة وثيقة بالسلوكيات والوجدانيات والتأمل في وحدة الخالق وابداعه في خلقه
(( المتحف المصري ))
** ومن معالم القاهرة التي زرتها في هذه الفترة المتحف المصري الذي بهرتني آثاره وجعلتني أتذكر طفولتي البعيدة عندما زرت هذا المتحف في سن السابعة تقريبا فوجدت التوابيت  التي كنت أتسلقها وقد بدت بحجم أصغر مما أتذكره .
** وكنت أحرص دائما على الحصول على دليل للمزارات التي أذهب اليها ولو كلفني ذلك شرائها بثمن غالي ، وأذكر أنني اشتريت دليل المتحف المصري من باعة الكتب القديمة رغم أن ثمنه كان مرتفعا ، ويبدو أن بائع الكتب القديمة استطاع أن يعرف مدى تمسكي بشرائه ، ولكنني لم أجد بهذا الدليل شرحا وافيا لأن المتحف كبير ويلزم له دليل في حجم كتاب كبير
(( منطقة الأهرامات ))
** ومن المناطق التي زرتها ايضا في هذه الفترة منطقة الاهرامات ، والتي كنت أقرأ فيها تاريخ طويل واعجاز كبير وتساؤلات محيرة ، واتذكر حضوري لتصوير فيلم أجنبي بجوار أبو الهول وأحسست من خلال مشهد التصوير أن هذا الفيلم لا علاقة له بالمعاني العميقة التي تحملها هذه المنطقة الفريدة من العالم وهي منطقة الاهرامات ، وتذكرت مقولة ( ان سنينا طويلة تطل عليكم )
(( قصور الثفافة بالقاهرة ))
** وفي الليل كنت أذهب لقصور الثقافة  بالقاهرة  للتعرف على انشطتها وروادها وعمل مقارنة بينها وبين قصور الاسكندرية التي كنت ارتادها كثيرا في المرحلة الجامعية .
** وأذكر أن والدي كان له صديق ( كمال بكر  ) ذهبنا لزيارته في منزله في شارع قصر النيل ، ودار بنا الحديث عن بعض الجيران وتصرفاتهم الغير أخلاقية وهو يرغب في الابلاغ عنهم   
 (( هواية تربية الحشرات ))
** والى جانب الرسم والموسيقى كانت هواية اخرى جديدة  في السنة الثانية بالكلية وهي تربية الحشرات .
** كاانت التربية في برطمانات زجاجية فارغة ولم تكن  تربيتي للحشرات بغرض علمي  وانما لغرض الاستمتاع بالتعرف على غرائب المخلوقات  .
** وكانت هواية تربية دودة حرير القز بداية لتربية طيور وأسماك الزينة كما سيأتي ذكره فيما بعد .
** بدأت هذه الهواية  عندما جمعت بعض من نباتات الفول في كأس مغلق باحكام وتركته للتعرف على  تأثير بكتريا التحلل ، وبعد عدة أيام  واثناء مراقبتي  للنباتات من خلال زجاج الكأس وجدت عدد كبير من يرقات الذباب التي فقست وكبرت وتحولت الى عذارى والتي خرجت منها الحشرات الكاملة على اختلاف الانواع والأحجام  والاشكال .
** وتنبهت بذلك الى امكانية تربية حشرات متنوعة في حيز صغير  وبدون بذل مجهود كبير .
** ومما دفعني  لممارسة هذه الهواية  الغريبة بعض القراءات عن الهوايات العجيبة .
** ومن أهم الكتب  التي أتذكرها جيدا بهذا الشأن : ( الجانب الانساني عند الحيوان ) ويتناول هذا الكتاب مقارنة بين الانسان والحيوان من حيث السلوك ، وأخص ما أتذكره موضوع الاحساس بالالم حيث أن المؤلف يجد أن تشابها كبيرا بين الانسان والثدييات في الاحساس بالالم ، ولكن الحيوانات البعيدة في سلم التطور كالحشرات لا تتألم ومن هذه المعلومة كانت نقطة بداية اتجاهي لتربية الحشرات ، وكانت أول حشرة هي فرس النبي التي ربيتها لمدة أربعة شهور في علبة زجاجية  وكنت أجلب لها يوميا حشرة صغيرة حية لكي تفترسها وتلتهمها . وخلال فترة الأربعة شهور لاحظت سلوكيات كثيرة عن هذه الحشرة في طريقة مراقبة الفريسة وقدرتها على تحريك رقبتها بزاوية 360 درجة تقريبا  وانقضاضها على الحشرة بأرجلها الأمامية المعدة لذلك كنت ألاحظ أن الحشرة لا تقبل إلا الفريسة الحية التي تتحرك .
** وذات يوم وفي موعد انسلاخ الحشرة لاحظت أن الانسلاخ غير طبيعي ولم يكن كاملا في إحدى الأرجل الأمامية  المخصصة للافتراس لم يكتمل انسلاخها وأصبحت هذه الرجل محبوسة في جلدها القديم ولا تسطيع التحرك وأصبحت عاجزة على القيام بعملها وهو الافتراس .
** حاولت مساعدة الحشرة على اكتمال الانسلاخ لهذه الرجل لكن دون جدوى واضطررت الى مساعدة الحشرة اثناء تغذيتها بتقديم حشرات أقل حيوية حتى تستطيع أن تفترسها برجل واحدة .
** وبعد فترة قليلة وعند متابعتي للحشرة فوجئت بأن الحشرة ماتت وقد تقطعت جميع اجزائها الى 15 قطعة ولا أعرف ما السبب ، وكأن حشرة أخرى قامت بهذا الانتقام ولكن الشيء الغريب الذي لم استطع تفسيره ان حشرة فرس النبي كانت داخل برطمان زجاجي عميق يصعب عليها تسلقه فكيف أتت حشرة أخرى .
** وذات يوم حبست اثنين من العناكب ولاحظت أن أحدهما افترس الآخر .
** واعتدت جمع بيض الحشرات مثل بيض الصراصير والعناكب وغيرها للتعرف على الأنواع المختلفة من الحشرات .
** وكنت أجمع اليرقات الغريبة ايضا أثناء عملي في أجازة الصيف بمزرعة الكلية ومن هذه اليرقات دودة القطن وكنت أوفر لها البيئة المشابهة للطبيعة فأضع لها قدر من الطين حتى تدفن نفسها فيه لتتحول الى عذارى ثم حشرة كاملة ، وبعض اليرقات بعد تربيتها الاحظ تطورها الى فراشة جميلة الشكل مثل ابو دقيق العليق ، ابو دقيق الكرنب .
** أما يرقات ذبابة اللحم .. احترت في تربيتها هل أقدم لها اللحم ، وأشركت معي والدتي في البحث عن غذاء لهذه اليرقات التي حصلت عليها فاقترحت والدتي أن اقدم لها الجبن باعتباره مادة بروتينية مثل اللحم.
** نجحت هذه التربية وحصلت على عدد 40 ذبابة لحم كبيرة من الأربعين يرقة تقريبا وفحصت النسبة الجنسية وجدت ان نسبة الذكور الى الاناث متساوية . 
** ومما  أذكره عن هذه الهواية أنني في السنة الثالثة بالكلية كنا مطالبين  بتقديم مجموعة من الحشرات المحنطة مكتوب عليها الاسماء العلمية كنشاط عملي نحصل منه على درجات
** كان غالبية الزملاء إن لم يكن جميعهم يشترون هذه المجموعة جاهزة من شخص محترف ولكنني وجدت  أنه من الأفضل أن أقوم بعمل هذه المجموعة بنفسي وان كلفني ذلك مشقة في عرضها وتحنيطها أو تجفيفها ، وكان عندي مجموعة كبيرة من الحشرات تفوق ما أحضره زملائي عددا
وأثناء تقديم هذه المجموعة من الحشرات كنت متوقعا اعجابا من المدرس ( المعيد )  لهذا العمل  ولكنني فوجئت بأنه يتناول هذه المجموعة باستخفاف وخاصة بعد أن قلت له ان هذه المجموعة نتاج هواية مارستها فرد علي ردا غريبا هواية ايه ؟ هو حشيش ؟  ثم يلقي هذه المجموعة الى جواره مع المجموعات الأخرى  بدون أي تعليق آخر وبدون اهتمام .
** وقد كان سبب غضب  هذا المعيد أنني قدمت له حشرة ضمن المجموعة بدون كتابة اسمها لأنني في الحقيقة لم استطع معرفة اسمها بدقة حيث حصلت عليها وهي صغيرة وربيتها على كسر الخبز الجاف وحصلت منها على أربعة انسلاخات وقدمتها ومعها جلود انسلاخها بدون كتابة اسمها أملا في أن يقدر هذا المعيد هذا الجهد وأن يرشدني الى اسمها باعتباره متخصصا في هذا المجال .
** كتمت غيظي في نفسي وشعرت باحباط شديد وصدمة شديدة وخاصة لأنني لم أرد على كلامه المستفز.
** وأعزيت هذا الحدث الى أننا نعيش في مجتمع مريض بكثير من العيوب ووجدت نفسي أكثر ميلا للالتقاء بزملاء المرسم والموسيقى الذي شعرت بأنهم أرقى فكرا من هؤلاء الذين لا يستحقون مراكزهم العلمية
(( جماعات اسلامية ))
** وفي هذه المرحلة كان يشغلني أولئك الذين يطلقون لحاهم  وينتمون الى الجماعات الاسلامية المتشددة وكثيرا ما كنت اتعمد المناقشة مع البعض للتعرف على  أفكارهم ، رغم أن المناقشات معهم كانت تصل الى نقاط اختلاف ومنها على سبيل المثال تحريم الموسيقى ، وكان ردي عليهم أن الانسان يحتاج الى الموسيقى مثل احتياجه للغذاء والماء فالطفل منذ ولادته يحتاج الى هدهدة والدته  وغنائها له  بل أن الجنين في بطن أمه نشأ في جو موسيقي من ضربات القلب المنتظمة .
** وكذلك فإن الذي يجعلنا نميز بين القراءات الجيدة للقرآن قواعد موسيقية .
** وكثيرا ما كنت أتطرق إلى أهمية القوانين الوضعية التي يتم وضعها وتطويرها وفقا لمتغيرات العصر ، وأنها مكتوبة بدقة وبتحديد يسهل على القاضي عمله ، وأن أمورا كثيرة مستجدة تحتاج الى الاجتهاد والاستعانة بالعقل وبآخر ما توصلت اليه العلوم الطبيعية والاجتماعية ، وكثيرا ما كنت أرد في مناقشاتي بان الدين يحدد لنا قواعد عامة للمعاملات وعلينا الاجتهاد بالقواعد الخاصة التي تتلاءم مع الواقع والمتغيرات وتتلاءم أيضا مع القواعد العامة التي حددها لنا الدين .
** ومع تكرار المناقشة مع المتشددين لاحظت أنه لا جدوى من هذه المناقشات ، وكأن كل منا يتحدث بلغة لا يفهمها الآخر .
** لم يعجبني التعصب الشديد عند الجماعات الاسلامية وأذكر ان بكلية الزراعة بالاسكندرية عندما تم عرض فيلم ( الأخوة الاعداء ) في مدرج الكلية على سبيل النشاط الثقافي قام بعض أعضاء الجماعة باقامة الصلاة بقاعة العرض اعتراضا على هذا العرض ، وبذلك تم انهاء العرض ، وكان موقف عميد الكلية الدكتور محمود داود  أنه لابد من عرض الفيلم في اليوم التالي في وجود قوات الشرطة ، كنت مؤيدا للعميد في أول الأمر وعزمت أن أحضر في يوم العرض ، ولكني بعد حضوري ترددت وتراجعت عن الحضور حتى لا اتخذ موقفا معاديا يسبب لي بعض المشاكل .
** ولكن بعد هذه الحادثة اكتشفت أن القرارات لابد أن تؤخذ بعد تفكير طويل ولابد أن توضع اعتبارات كثيرة في الحسبان .
(( العمل بمزرعة الكلية ))
** عندما علمت أن مزرعة الكلية بها فرص لعمل الطلاب مقابل أجر عبرت عن رغبتي أمام والدي ، وعند ذلك ذهب معي والدي الى الكلية لمقابلة صديق له دكتور بالكلية الدكتور الجعراني ، حيث وجهني الدكتور الى مهندس بقسم الخضر لكي أعمل به ومن هذا القسم بدأت اتنقل بالعمل الى قسم المحاصيل وأتعرف على باقي الأقسام
** وأثناء عملي بمزرعة الكلية بالصيف كنت الاحظ أيضا أن كثير من المعيدين والاساتذة بالكلية لا يلتزمون بالدقة في تجاربهم العملية  ولاحظت أن منهم من يعتمد على تلفيق النتائج
** لم يكن العمل والكسب هو محور اهتمامي الأول بقدر ما كان يهمني التعرف على اشخاص جدد منهم الفقراء الطيبين الذين أتوا من الريف  للعمل الشاق ومنهم الرؤساء والموظفين .
** وكثيرا ما كنت أصطدم مع بعض الاشخاص نتيجة ملاحظة خطأ ما مثل محاولة المغالطة في الميزان وما شابه ذلك .
** أتذكر أنني كنت لا أقبل البقشيش واذا أصر التاجر على دفعه أعرض عليه ان يوجه هذا المبلغ الى العمال .
وكثيرا ما كنت أسرح في أحوال العمال الذين تركوا أسرهم في الصعيد وتأتي لهم الرسائل ويلجأون لي لكي أقرأها اليهم .
** كنت أشعر بأنهم لا يأخذون المقابل المناسب لعملهم الشاق وكنت أتعاطف معهم .
** وبقدر تعاطفي معهم كان نقمي على أوضاع كثيرة في المجتمع ، وكثيرا ما كنت أعبر عن هذه الاحاسيس  بالكتابات الساخرة وكانت بدايتها الكلمات التالية التي كتبتها  :
أيها الشعب العظيم  ... صاحب المجد القديم
أبدا منين ولاّ منين  ... من بعد ما طقيت نصين ... ...............الخ
وكانت هذه الكلمات هي البداية  لاتخاذ اسلوب ساخر في كتابة النثر و الشعر باللغة العامية ،
 (( زيادة الاهتمام بالانشطة ))
** وخلال المرحلة الجامعية ازداد اهتمامي بالهوايات المختلفة وارتباطي بقصر الثقافة ،  وبلغ هذا الاهتمام الى ذروته في السنة الرابعة ولاحظت أن هذا الاهتمام أدى الى اهمالي في الدراسة  وكانت النتيجة هو رسوبي في أربعة مواد أدت الى  اعادة السنة .
** ولم يكن الرسوب صدمة فكنت أتوقع ذلك .
** عدت في هذا اليوم الى البيت وأخفيت خبر النتيجة في هذا اليوم خوفا على اسرتي وحرصا على عدم تحميلهم هموما فوق همومهم .
** خفت أن يظهر على وجهي علامات الحزن والتأثر  فدعوت أختي الصغيرة عبير  لحضور حفل خاص للأطفال  بمناسبة شم النسيم في نقابة الزراعيين .
** كنت أشعر بالسعادة تغمرني عندما أجد اختي الصغرى تتمتع بمشاهدة  أفلاما للكرتون ملونة ولأول مرة
** كنت أصفق أمامها حتى أجعلها تصفق مثلي  واتحدث معها بطفولة وكأنها ابنتي  المدللة .
** شعرت أن أسرتي هي كل شيء  بالنسبة لي شعرت  بأنني لست ملكا لنفسي  بل ملك لكل انسان عزيز ، ضعيف ، مظلوم ، وملك لكل طفل بريء .
** وبعد هذه الحادثة بيوم أو اثنين أعلنت النتيجة على اسرتي  وبكيت أمامهم ولم يكن بكائي على الرسوب فقط ، ولكن بكاء على الكثير من المعاناة التي اعتدت أن اكتمها فكنت قليل الشكوى وكنت أحرص على الكتمان دائما لأي مشكلة نفسية أو صحية أو اجتماعية .
(( مرافقة والدتي في الطريق ))
** في أثناء دراستي الجامعية بالسنة الرابعة كثيرا ما كنت أنزل مع والدتي لتوصيلها الى مدرسة محرم بك  حيث بدأت العمل بها في التدريس بعد أن حصلت على ليسانس الآداب لغة عربية .
** كنت أتعمد النزول معها لكي أتحدث اليها في الطريق في شتى الموضوعات عن الاصدقاء وعن الفن  وعن الملاحظات التي نشاهدها في الطريق  مثل قطط صغيرة تلعب في الشارع ، عنزة صغيرة تركض بفرحة وتبحث عن غذائها من الأوراق أو رجل عجوز ملأت التجاعيد وجهه وكأنها كتابات الزمن مثل كتابات الزمن على شجرة من الاشجار .
** ثم تقودنا هذه المشاهد الى  التأمل في امور الكون المعنوية مثل بداية الحياة من الضعف الى القوة ومن القوة الى الضعف والموت والرجوع الى الارض .
** كنت أقصد واتعمد التعليق على المشاهدات  التي نمر بها على الطريق لكي أخفف عن والدتي عناء الأعمال المنزلية والمدرسية
** تدور في ذهني بعض الأفكار فأسرح قليلا ولا يوقظني إلا الاستغراق في هذا السرحان الغريب .
** تعبت من التفكير يجب أن أبحث عن موضوع آخر .... ان من عاداتي عدم التحدث كثيرا عن المشاكل .
** وجدت في الطريق مشهدا جاذبا  قطة صغيرة تمشي في الطريق ثم تدخل باب أحد المنازل  وتمسح وجهها من التعب .
** تحول تفكيري مع والدتي الى التأمل فيما حولنا من أشخاص، لا أقصد اشخاص آدميين فقط وانما كل شيء أمامنا له شخصيته .
** فهذا بيت قديم تظهر عليه تشققات صنعها الزمن ، فاصبح منظره معبرا عن قسوة الزمان  وضعف الاشياء أمامه ، وهؤلاء أسراب من البشر يتدفقون في الشارع  العمومي ذاهبين الى عملهم كما لو كانوا جسيمات تتحرك وتتدفق في شريان الحياة ، مجموعة من عمال البناء حاملين معداتهم  وقد بدت أجسامهم السمراء  صلبة كالمعدات التي يحملونها  ، عنزة صغيرة تقوم بحركات لطيفة ، كلب يصيح مام أحد المارة  وكأنما يحتج على شيء لا يعجبه .
** انني أحسد هذه الحيوانات على صدق تعبيرها .
** كنت أعبر عن كل شيء يدور بخاطري الى والدتي  وكانت دائما تشاركني التفكير والاحساس
** كنت أتحدث معها عن أملي في شراء جيتار  أو شراء أدوات للرسم وكانت هي تتحدث معي عن لوحة ترغب في شرائها للصالون
** أصبح الحديث بيننا متنوعا وممتعا ، حكيت لها نكتة في الطريق ، وطلبت مني تذكيرها بنكتة أخرى لكي تحكيها لزملائها بالمدرسة
** انتهى الطريق الى المدرسة حيث دخلت والدتي مدرسها وواصلت أنا السير بلا هدف ( لأنني لم انزل في ذلك اليوم الى محاضرات )
(( استكمال الطريق الى الكلية ))
** لم أكن سائرا بمفردي وانما كنت أسير مع نفسي واتحدث اليها  اذكرها بالامس وتذكرني أيضا
أصبحت أنا ونفسي أصدقاء وجدت الطريق يمر بسرعة الى أن وصلت الى حديقة الشلالات وأحسست برغبة في الجلوس على مقعد تحت شجرة كثيفة ... تخترقها  بعض الاشعة القليلة الدافئة  والتي تشترك مع نسمات الشتاء الرطبة في خلق جو غريب يؤدي الى حالة من الاسترخاء مع التفكير والتأمل في حال هذه الدنيا الغريبة
** كل شيء أمامي يتحرك .. الشجر ..و الرياح ... السيارات الرجال النساء الاطفال  انهم يسيرون لكن الى أين  ....الى متى ؟
** تهب نسمة باردة تداعب وجهي كأنها تسخر معي ن هذه الحياة ... التي كل شيء فيها ذاهب بلا عودة ... حتى أوراق الشجر .
** حتى أوراق الشجر ها هي تتساقط على أوراق المذكرات التي أكتبها كأنها توافقني على هذه الكلمات
** نسمة أخرى تهمس في وجهي اذني ... لا أعرف ماذا تقول ... لكنها تتكلم بلاشك  .... ربما تقول لي أنها تفهم كل شيء .
** ربما تقول لي أنني يجب أن أستمتع بهذه الجلسة  في الحديقة ربما تقول ان الحياة جميلة  لكنك لا تدري ذلك .
**  عرفت بأن هذه النسمة على حق مهما قالت لأنها تثق في وتكلمني وتداعب وجهي وتمنحني برقتها ولطفها
** تختفي الشمس قليلا وتظهر مرة أخرى لكن في هذه المرة أكثر اضاءة  ربما لم أشعر باضاءتها إلا عندما غابت قليلا
** أصبحت الاشياء حولي أكثر وضوحا كما لو كانت تؤكد نفسها وتثبت وجودها
** أصبحت الاشياء نابضة بالحياة كما لو كانت تستمد روحها من الشمس المشرقة
** أمسك الجنايني بخرطوم المياه يسقي  النجيل .
** المياه لها شكل رائع في الشمس  ، ولكنني أحسست بأنها ليست مثل كل هذه الاشياء  بل هي الملكة المتوجة  فهي التي تمد جميع الكائنات بالحياة .
** أحسست أيضا أن الأرض تلتهم هذه المياه بشراهة شديدة .. عند ذلك شعرت بالعطش وفكرت في مغادرة المكان .
** وعادت النسمة لكي تقول لي أن الحياة حلوة  ويجب علينا أن نستمتع بها فوجت نفسي مستسلما لكلامها
** ورأيت النوم قد اقترب من عيني فجلست قليلا  ثم رجعت الى بيت جدتي لاستذكار دروسي .
** وبعد المذاكرة وفي ليلة في شهر فبراير 1979 كتبت هذه المذكرات ونقلت بعضها من الورقة  التي كنت أكتبها في حديقة الشلالات .
 (( العمل في فول الصويا ))
** في صيف السنة الرابعة ( قبل الاعادة ) عملت بالمزرعة كالمعتاد ... أجمع البيانات الخاصة بتجارب الباحثين واساعدهم في عمليات الاحصاء أحيانا .
** ومن أكثر الباحثين  الذين ارتحت في التعامل معهم هو شخص عراقي ... يقوم بتحضير رسالة دكتوراة عن فول الصويا .
** أعجبني فيه الهدوء والاتزان  واهتمامه بالنواحي الانسانية  بالعمال المشتغلين معه بالمزرعة  كان يصعب عليه مشاهدة طفل صغير  يتعب في العمل ، ومن أقواله عن أحد الاطفال الذين يأتون للعمل  بالمزرعة أنهم تاركين الرضاعة أي أنهم جاءوا للعمل بعد فطامهم مباشرة .
** ولاحظت منه اهتماما بأحوالي العامة وعندما أقول له يوما انا تعبان النهاردة  كان لا يلح طويلا  كما يفعل غيره
** لاحظت أيضا فيه حسن الاصغاء  وحرصه على متابعة أحوال المشتغلين معه
** لم الاحظ منه أكاذيب أو مبالغة  أو استعلاء على غيره وكان يرغم الجميع على احترامه
** وأكثر ما كنت أضيق به أن بعض زملائه في غيبته يقولون انه مكار وخبيث ولئيم  وما شابه ذلك
** واثناء حديثي الى ذلك الشخص ( عباس شويليه ) كنت أبدي له رغبتي في السفر الى العراق، لأنني في هذه الفترة كنت انتظر ثلاث سنوات قادمة حتى أفكر في السفر الى الخارج .
** وكان يرد علي بالمجاملة أحيانا ، لكنه كثيرا ما كان يقول لا إن السفر الى العراق سوف يكلفك الكثير من المشقة حيث أن الجو في العراق حار جدا صيفا وأن الأعمال هناك لا تناسبني لأنها شاقة والغالبية يعملون في المعمار وما يشبه ذلك .
(( السنة الخامسة بالكلية ))
** استمر عملي لفترة طويلة بمزرعة الكلية بعد نهاية صيف  السنة الرابعة ( الأولى ) ، وعند اعادتي للسنة الرابعة كنت مستقرا نفسيا وكنت أعتبر نفسي قد انتهيت من الدراسة فيما عدا مواد قليلة سوف أمتحن فيها ، ولم أشعر باحساس الراسب في هذه السنة لأنها كانت السنة الأخيرة ، وأن الكلية والمزرعة .. بغض النظر عن الدراسة.. كانت من الأماكن المحببة لي حتى بعد تخرجي من الكلية كما سيأتي الذكر فيما بعد .
** كنت دائم الجلوس في الكافتريا ومصاحبة الكثيرين والاشتراك في الحفلات بعزف منفرد على الجيتار .
(( ثقة بالنفس ))
** ثم يتركنا وينصرف الى عمله بتدريب الآخرين ، وأقوم بتعليمها  البدائيات  ويتعرف كل منا على الآخر وعرفت أنها خريجة فنون قسم تصوير وأنها تقوم بأداء الخدمة العامة بالقصر أي أنها أكبر مني بعام على الأقل .
** وأعرفها بنفسي  وتتوطد صداقة بيننا الى جانب تعلمها الموسيقى وكثيرا ما كانت تحدثني عن سفرها للخارج أثناء فترة الدراسة وأنها ترغب في السفر الى امريكا
** وجدتها انسانة مرحة وعلى قدر كبير من الخبرة في الحياة .
 (( موقف شجاعة ))
** في هذه الفترة كنت أعمل بمزرعة الكلية  واثناء زراعة القطن في ابريل لاحظت أن أحد المهندسين يتعامل بقسوة مع بعض العمال  محاولا فرض سلطته وعقده . ثم يوجه لي كلامه ويأمرني بكلمة ( اجري )  واذا بي انطلق مندفعا  واصيح في وجهه قائلا ( انت عديم الذوق  ومعقد ومتعود على حياة العبيد واحسن لك تتعامل مع حيوانات مش بني آدمين ) وكان لهذا الرد أن اشتد غيظه وصفعني على وجهي وازدته من الشتائم وقلت له ( انت حيوان لا يستحق إلا انك تقعد مع المواشي  عندكم في البلد )
** ورغم حدة هذا الموقف إلا أنني شعرت بالرضا والثقة بالنفس وتيقنت أن سبب هذا التصرف كان نتيجة اعجابي بالبنت التي تعرفت عليها بالقصر وأعجبني فيها جرأتها وثقتها بنفسها
** وبعد هذه الحادثة بأيام قليلة صالحت هذا المهندس  ليس بغرض الاعتراف بخطأ ارتكبته ولكن لأنني بطبيعتي لا أحب الخصام والمقاطعة  هذا بالاضافة الى احترام كبر سنه .
 (( آراء في السياسة ))
** لم تكن لدي في هذه الفترة اهتمامات سياسية ولم أميل الى التحدث في هذه الأمور إلا في حدود معلوماتي ، ومع أشخاص يقدرون هذه الحدود ، ولديهم الموضوعية وعدم التشبث بالرأي
** كنت أكره بشدة المتحدثين في مجال السياسة بدون علم بأصولها وما أكثرهم الذين يتحدثون ويقدمون الاقتراحات وكأنهم يصلحون لرئاسة الجمهورية
أذكر على سبيل المثال أن الرئيس السادات في هذه الفترة أصدر عدة قرارات وتم اجراء الاستفتاء حول هذه القرارات .
** لم أحاول الخوض في تفاصيل هذه القرارات  لكني وجدت أن الاستفتاء على هذه القرارات مجتمعة يعتبر استخفافا بالعقول ، لأنه من الطبيعي أن يميل الانسان الى بند دون الآخر  فأرسلت الى جريدة أخبار اليوم كلمة ملخصها ( كيف يبدي الناس رأيهم بنعم أولا  عن مجموعة من القرارت من الممكن قبول احدها ورفض الآخر  ، اقترح بتجزئة القرارات
** تم نشر هذا الرأي بكلمة (أقترح تجزئة القرارات  )
** لم ابني هذا الرأي على تفاصيل القرارات ولكنني بنيته  اقتناعا بأنه  لا توجد موافقة مطلقة أو رفض مطلق  وأن كلمة كل أو جميع  وما شابه ذلك من كلمات التعميم غير مقبوله في الموضوعات التي تخص الأمور المعنوية
** كما كنت لا اعترف  بالمطلقات في الأمور المعنوية كنت لا أعترف أيضا  بتعصب دولة ضد أخرى  أو جنس ضد آخر
(( مبادرة السلام 1978 ))
** تحدث في هذه الفترة زيارة السادات الى القدس في مبادرة السلام 78 وكان طبيعيا أن أتأثر بشدة لهذا الحدث الغريب وأن يكون لي رأي واضح فيه .
** لم أبني رأيي على معلومات غزيرة عن التاريخ والسياسة ولم أنظر الى السادات كزعيم سياسي ولكنني نظرت ليه كإنسان يقوم بدعوة انسانية من أجل السلام ومن أجل انقاذ الناس من أهوال الحرب .
** ولا أقصد بالأهوال هي الموت – وانما هو الحزن والقلق وبكاء الأم على ابنها والأب على ابنائه وآلام شخص ينتظر الموت ويعيش الحياة في يأس .
** كنت أعتبر أن الموت للشخص الميت لا يعتبر من الأهوال أو المصائب لأن الموت شيء حتمي ولابد منه اليوم أو غدا أو بعد سنين ، ولكن الموت يعتبر من الأهوال بالنسبة لعائلة وأسرة الميت ، والاصابة بالجروح والامراض أشد المصائب من الموت .

** كنت أؤيد هذه الدعوة الانسانية التي بدأها السادات بزيارته للقدس وكنت أتمنى أن يكون لها صدى أوسع عند الناس وأن يترتب عليها حلولا لمشكلات متعسرة
(( آراء حول النظام الشيوعي والرأسمالي ))
** أما وعن رأيي في النظام الرأسمالي فكنت اعتبره النظام الطبيعي الذي لا يتعارض مع طبيعة البشر ... وبه نشأت الحياة منذ القدم وسوف تستمر به .
** أما النظام الشيوعي كنت أجد فيه سلب حق من حقوق الانسان وهو الامتلاك وتنمية الدخل والممتلكات وقد يقضي على روح الابتكار والتجديد التي تقوم عليها حضارة كل شعب .
** ولكن اتباع النظام الرأسمالي لمدة طويلة قد ينتج عنه تفاوت كبير بين مستويات  الأغنياء والفقراء مما يؤثر على الاستقرار والسلام الاجتماعي ويؤدي الى الصراعات  المعلنة والغير معلنة 
** لذلك يجب في هذه الحالة اتباع قوانين من النظام الاشتراكي من أجل عبور الازمات التي تحدث نتيجة التفاوت الكبير بين مستويات الغنى والفقر ، ولابد من المرونة وسرعة اتخاذ القرارات التي تؤدي الى عودة الاستقرار .
** لهذه الاعتبارات كنت أرى اننا يجب أن نأخذ من الاشتراكية  الحزم والقوة والانضباط وأن نأخذ من الرأسمالية حرية الامتلاك
** كنت أرى ان التحول الرأسمالي في عصر السادات ليس تحولا رأسماليا وانما هو اطلاق حريات بدون ضوابط ، وأن هذا التحول لم يأخذ بسبل الانضباط  التي تحقق الأمن والاستقرار .
(( آراء حول تحديد النسل ))
** ومن مواقفي وآرائي التي تبلورت في هذه الفترة هو رفضي للفكرة  القائلة أن تحديد النسل يحل أو يساهم في حل المشكلة الاقتصادية .
** كنت أرى أن الحد من زيادة السكان لا يعتبر إلا حلا سلبيا وهروبا من المشكلة الكبرى وهي كيفية التنسيق بين  الموارد البشرية والموارد المادية  
وكنت أجد أن الحد من  الزيادة السكانية لن يكون له جدوى مع مرور الوقت
** لذلك يجب الأخذ بالحل الآخر وهو الأكثر ايجابية وهو زيادة الموارد التي يحتاجها الانسان اليوم وغدا .
** وهذه الموارد يسهل الحصول عليها  بالحلول الذكية التي تعتمد على التفكير العقلي المنطقي ، التفكير الذي يمكن أن يكتشف أن الانسان في حد ذاته  ثروة كبيرة لا تقل  عن غيرها من الثروات المادية .
** عندما كنت اتأمل المستقبل  اتوقع الآتي :
سوف ياتي اليوم الذي لا يحتاج  فيه الانسان الى القطن  والصوف والحرير والبترول ..... الخ  ، وسوف تصبح قيمة  هذه الأشياء  في ندرتها فقط  وليس لكفاءتها ووظيفتها ، حيث أن المواد  المخلقة حديثا سوف تكون اكثر ملائمة وتوفرا .
** وسوف يأتي اليوم الذي  يحصل فيه الانسان على الطاقة من الشمس مباشرة  أو من الماء  بدون الحاجة الى الفحم والبترول
- لن تعد في المستقبل مشكلة ناتجة عن  نقص في الموارد الطبيعية  التقليدية ، ولكن مشكلة المستقبل هو غياب التكنولوجيا عن بعض المجتمعات دون غيرها  والتفاوت بين الشعوب في  الثروة البشرية ( العاقلة )
** إننا نهرب من المشكلة الأكثر أهمية وهي اعداد  الانسان الملائم للمستقبل ، وذلك باصطناع مشكلات أخرى
** كنت أجد أن مصر ليست مزدحمة بالسكان بل ان بها المساحات الشاسعة التي تستطيع أن تستوعب عشرات الالاف من العدد الحالي ، وبها المناخ المناسب للحياة بها المياه  العذبة والمالحة أيضا ورغم ذلك أننا بكل غباء  نصيح ونصرخ ونبكي على مشكلة ازدياد السكان  ونحاول بطرق ساذجة  في اعلانات التليفزيون الباهظة التكاليف أن تقلل من تعداد السكان ، وكأننا نلقي بأموالنا في البحر لأننا لم نستطع استثمارها .
** ومن الآراء التي توصلت اليها أيضا في هذه الفترة  ان أفراد المجتمع هم المسئولين عن نهضته أو تخلفة  بسلبياتهم وعيوبهم  وأن الرئيس أو الحكومة  ليسوا السبب الأول في الفساد   لأن الرؤساء هم  نتاج من الشعب وليسوا من شعب آخر ، كما أن الشعب أيضا هو المسئول عن صعود الرئيس الى  منصبه
** كنت أجد أن المشكلة الكبرى التي تواجهنا  ترجع الى طبائع لابد من تغييرها أولا وهي :
عدم الثقة بالنفس مما يجعلنا  نستورد أنظمة لا تناسبنا  ، وأخطاء التفكير الذي يعتمد على العواطف والميول المتغيرة ونقص الحزم  في الادارات واتباع أساليب الغش والتحايل  المتطورة في مواجهة كثير من الأمور
** كثيرا ما كنت أتساءل عن أسباب ظهور هذه السلبيات  في مجتمعنا ألم يكن هذا المجتمع  الذي بنى الأهرامات  وتقدم في الفنون والعلوم  والتكنولوجيا منذ أقدم العصور
** وكثيرا ما كنت اصطدم  بأشخاص ذوي طبائع  غريبة واتساءل لماذا الاختلال هل ذلك ير جع الى صفات بيولوجية  أم أن الاختلافات ترجع الى ظروف أخرى كثيرة ومتشابكة ومعقدة
(( آراء حول العامل الوراثي والعامل البيئي ))
** ومن آرائي عن العامل الوراثي في سلوكيات الناس كنت أؤيد الغلبة للعامل الوراثي عن العامل البيئي والدليل على ذلك أن كثير من الأخوة رغم نشأتهم تحت ظروف بيئية واحدة إلا أنهم بعد أن يكبروا تظهر لكل منهم طبائع مختلفة عن الآخر ، وكان ذلك التأييد الى درجة أنني اعتبرت أن غالبية الانحرافات الخلقية ترجع الى عامل وراثي بيولوجي.
** ولكن هذا الاعتبار لم يؤثر على التماس العذر للمجرمين الذين يعتدون على الغير بل كنت أؤيد تغليظ العقوبات حتى تصل الى اعدام السارق لأن السارق يعتبر قاتل لأنه يدرك أن اعتدائه على حق الآخرين قد يسبب لهم صدمة تؤدي الى المرض النفسي أو العضوي أوالموت ، وقد يؤدي الموت الى نتائج اجتماعية أخرى ، كل ذلك بسبب سرقة بعض من المال .
** كنت أرى أن عقوبة الاعدام ليس الهدف منها القصاص بقدر ماهي اجراء لحماية المجتمع عن طريق بتر عضو فاسد والتخلص من جينات فاسدة تسبب الضرر للمجتمع بما فيه من افراد .
** أما عن الانحرافات السلوكية التي لاتؤذي الغير فكنت التمس العذر للمنحرفين نتيجة اقتناعي بشدة تأثير العامل البيولوجي على انحرافهم .
(( آراء حول حرية المرأة ))
** أما وعن رأيي في حرية المرأة  في هذه الفترة  كنت  أجدها مازالت  أقل احتراما وتقديرا مما لايجب وان النساء ما يزالون الدرجة الثانية 
** كنت لا أجد المبرر المنطقي لذلك  لأن المرأة تمتلك  قدرات خاصة قد لا يمتلكها الرجل وأن كل منهما يكمل الآخر  ولا يمكن المقارنة بينهما كما لا يمكن  المقارنة بين نوع من الفاكهة ونوع من  الخضر أو اللحوم
** لم يعجبني آراء بشأن عدم خروج المرأة للعمل ، وآراء تقول اننا نعطي ضعف الأجر للرجل ونمنع عمل المرأة ...!
وبعيدا عن مضمون هذا الاقتراح كنت أجد المأساة التي نعيشها وهي البحث عن الحلول المطلقة والبرشام السحري  والبطل المعجزة  .
** أحيانا أقول ... قد يكون هذا التفكير الخرافي القاصر هو الذي جعلنا  نرحب بغزاة كثيرين مثل الاسكندر الأكبر – محمد علي  وغيرهم  حيث أن الشعب المصري ظل مئات السنين  لا يحكم نفسه بنفسه
وبالرجوع الى مشكلة عمل المرأة  نجد أن هذه الظاهرة ليست مشكلة  بل انها اضافة خير الى المجتمع  وان خروجها هو مصدر رزق  للأسرة وللدولة
**  بل ان خروج المرأة للعمل سوف يؤدي الى النهوض بها ثقافيا حيث يزداد وعيها واتصالها بالمجتمع  والتعرف على ثقافات جديدة  بدلا من مصادر الثقافة النسائية المنزلية
** والثقافة الجيدة سوف تفيد المرأة في تربية الصغار وتوجيههم التوجيه السليم
** ماذا يحدث لو أن المرأة زوجها سافر أو توفي  هل تبحث عن رجل آخر لكي يساعدها  لن يفيدها إلا العمل
** كنت أجد موضوع عمل المرأة ضرورة لابد منها ، إلا في حالة انشغال المرأة بأطفال رضع ولا تستطيع ان تتركهم  لغيرها
** وفي هذه المرحلة الجامعية تفتح عقلي الى كثير من المشكلات والأوضاع التي شغلت فكري  وجعلتني أكتب العديد من الخواطر واحتفظ بها في أوراق متفرقة وفي أجندات خاصة
((( مرحلة ما بعد التخرج من الجامعة )))
** لم يكن حدا فاصلا بين هذه المرحلة وسابقتها  ولم تكن بداية هذه المرحلة واضحة ومحدد  لأن نتيجة رسوبي في الترم الأول بالسنة الأخيرة أدى الى اعادة السنة وبالتالي أصبحت السنة الأخيرة بالكلية فترة انتقالية كبيرة بين الدراسة والعمل .
** فكنت أعمل بالسنة الأخيرة بأثناء الدراسة  في المزرعة مع أحد المعيدين في بحثه عن نبات الفول
** وكنت أحب هذا  العمل  رغم الأجر القليل ولكن هذا الحب كان يشوبه في كثير من الأحيان عدم اقتناع بدقة التجارب ولم يعجبني التسرع في جمع البيانات ، وكثيرا ما كان يضطرني هذا التسرع الى تلفيق بعض البيانات .
(( اكتساب الخبرة من العمل بالمزرعة ))
** ومن أهم أسباب تمسكي بهذا العمل بالمزرعة أنني كنت أقدر أهمية الخبرة التي اكتسبها من كل عمل أقوم به هذا بالاضافة الى الطبيعة الجميلة التي كنت أعيش فيها حيث المساحات الخضراء والطبيعة الجميل الجميلة ,
** وفي كثير من الأحيان استعمل الراديو أثناء العمل وأحيانا أخرى كنت أغلق الراديو حتى أعيش مع أفكاري وتأملاتي وكتاباتي ، وكثيرا ما كنت أستعمل الراديو للهروب من حكايات لا أحبها من الآخرين .
** وأحيانا كنت أحضر كاميرا لكي ألتقط صورة نادرة على سبيل المثال نعجة ترعى صغارها ... شجرة غريبة المنظر، الأبقار وهي ترعى بين حقول البرسيم .
** كان عملي بالمزرعة متنوعا ، فأحيانا أعمل بجمع البيانات عن أطول النباتات أو عن عدد الأفرع الأرضيت او نسبة الازهار المؤنثة الى المذكرة في النباتات القرعية ، والتلقيح الخلطي في الأرز والتلقيح الذاتي في القطن ، زراعة الخرشوف ، زراعة البطاطس ، رش المبيدات والهرمونات ، وزراعة الخرشوف والبطاطس . وغير ذلك من العمليات الزراعية الكثيرة .
** وكان هذا التنوع يناسب طبيعتي وحبي للمعرفة العامة وصل هذا التنوع الى أنني قبلت العمل في بعض الأيام في حقل فول كحارس في فترة من 8 الى 12 صباحا ، ومن الطرائف التي أتذكرها ان الأولاد الذين كنت أمنعهم من أكل الفول الأخضر يقولون ما معناه : " هو انت الغفير ؟ ماشوفناش واحد غفير من غير عصاية " .
** قبلت هذا العمل لأيام قليلة وأتذكر أنه كان يمنحني فترة طويلة للجلوس في مكان هادئ وعلى صوت الراديو الخافت  وكنت أستغل هذا الوقت في رسم اسكتشات أو في كتابة خواطر .
** وفي هذه الفترة كنت استغل وقت الفراع في رسومات بالقلم الرصاص أو الفلوماستر ومن الرسومات بورتريهات  تقاضيت مقابلها جنيه
** وكثيرا ما كنت اكسر الملل من بعض الأعمال المتكررة بطريقة تغيير طريقة العمل أو طريقة الجلوس .
** تركت العمل الموسمي تماما بعد انتهاء الدراسة بالكلية وشعرت بأنني استفدت كثيرا من الأعمال المتنوعة أكثر من استفادتي من الدراسات العملية والنظرية بالكلية .
أما الاستفادة المادية فكانت قليلة ولا تكفي إلا المصروف الجيب ، والصرف على الهوايات  المتعددة كشراء ألوان – اطارات للرسم ( شاسيهات ) – آلات موسيقية مثل جيتار – كمان ، وكنت أهوى شراء هذه المستلزمات  من شارع العطارين حيث توجد محلات كثيرة للأشياء المستعملة والعتيقة التي تحتوي على قيم فنية وجمالية وأثرية خاصة .
** وحرصت أيضا في هذه الفترة على شراء شرائط كاسيت عليها بعض الأغاني المفضلة رغم انني لم أكن قد اشتريت جهاز تسجيل بعد ، الى أن اشتريت جهاز تسجيل خاص بي استعملته كثيرا في الاستماع والتسجيل و صارت بيني وبينه علاقة قوية كمثل علاقتي بالراديو الصغير الذي كنت أصطحبه معي في كل مكان .
** كنت أهوي أيضا شراء الحقائب الصغيرة لحمل الراديو المسجل وغير ذلك مثل نبات أعجبني فوضعته في كيس لحين زراعته بالمنزل .
(( العمل بشركة الاقطان ))
** بعد انتهاء فترة العمل بالمزرعة عملت في شركة القاهرة للأقطان فأصبحت منذ ذلك الوقت مسئولا عن شراء ملابسي بعد ان كنت معتمدا في ذلك على الأسرة
وبدأت أشعر بقلة النقود التي أتقاضاها وبدأت أشعر انني محتاج بشدة الى أشياء كثيرة وبدأت حالات جديدة من الضيق من عدم توفر النقود للازمة  لاشباع رغباتي
** وفي هذه الفترة أيضا التحقت بمركز تدريب على التوصيلات الكهربية .
فأصبحت يوميا مشغولا بالعمل ثم التدريب ثم بقصر الثقافة  ثم الذهاب الى حفى أو ندورة او معرض تابعة لنشاط الثقافي بالقصر او الذهاب الى أحد الاصدقاء
** كان عملي بهذه الشركة تقدير تسبة الرطوبة في القطن  بواسطة قراءة عدادات المياه  التحديد
 كمية المياه التي يضيفونها الى القطن قبل ادخالها الى المكابس وكانت هذه العدادات معطلة ولا أحد يبالي بهذه الأعطال ولم أكمن راضيا على هذا العمل في وجود هذه الأعطال
وكان لي زميل بالعمل بنفس ظروفي خريج حديث من الكلية  وقد كان يعاني من طبع غريب أو حالة غريبة وهي الاعتقاد  بأن الجميع يضطهدونه ، وكعادتي حاولت الوقوف بجانبه  اشفاقا عليه ولكني لم استطع أن أغير من اعتقاداته شيئا بل انه اعتقد أنني ضمن من يدبرون له المكائد  .
 تركت الشركة بعد اربعة شهور مضطرا حتى لا أصطدم بالتعامل معه وتوجهت الى شركة لتصدير البرتقال  لممارسة عمل شاق وهو نقل الصناديق
** وكانت معاملاتي بالشركة مع عمال ذوي مستوى ثقافي متدني وطباع غريبة  سوى قلة الجامعيين الذي كانت لهم نفس ظروفي .
** وفي أحد ايام العمل بهذه الشركة فوجئت بحضور صاحبي ( الغريب الطباع ) فشعرت بالاضطراب وتذكرت حالتي النفسية التي عانيتها أثناء التعامل معه .
** ولم أهدأ من هذا الاضطراب إلا عندما وجدته  يقدم لي الاعتذار عن سوء فهمه لي  ووجدته يشكو الي من سوء معاملة رؤسائه في العمل .
** اصطحبته الى خارج الشركة في وقت الراحة باحدى المقاهي القريبة ، ووجدته يصرح لي بكرهه للحياة المدنية وأنه يأمل في التحاقه بالجيش وقضاء حياته كلها به ، اشفقت عليه واتخذته صديقا عاديا وتبادلنا الزيارات وكان يذهب معي أحيانا الى قصر الثقافة .
** ورغم أنني كثيرا ما نصحته بأن الحياة العسكرية أكثر مشقة من الحياة المدنية إلا أنه أصر على دخول الخدمة العسكرية ضابطا وعانى الكثير وندم على ذلك فيما بعد .
** كان من نتيجة العمل الشاق بشركة تصدير البرتقال وأصوات الماكينات المزعجة والتعامل مع أشخاص غير محببين أنني اتخذت قرار بترك العمل بلا تردد .
** وعن طريق وساطة خالي الذي كان يعمل مفتش أمن صناعي في ذلك الوقت استطعت أن أعمل – موسميا – بمعمل شركة المساهمة لتصدير الأقطان .
** وفي هذا المكان كانت راحتي وسعادتي  بالعمل مع مهندسين ومهندسات في مجال اختبارات الأقطان ، ووجدت نفسي أقوم بعملي بكل دقة ، وبضمير ،  ولم الجأ الى التلفيق ما كان سابقا .
وكان ذلك يرجع الى المعاملة الجيدة  التي كان يعاملني بها الزملاء في العمل حيث كانوا يتعاملون معي كمهندس زراعي مثلهم رغم أن عملي كان موسميا وكنت أتقاضى أجري مع العمال الموسميين .
وفي هذا المكان كانت علاقات الزملاء حميمة يسودها الاحترام  المتبادل  والمشاركات الوجدانية في مناسبات عيد ميلاد ، زواج أو خطوبة .... الخ .
** التحقت بهذا العمل على أمل أنني لن أستمر أكثر من شهرين بعدها سوف أتقدم الى الخدمة العسكرية ابريل 1980 ولكن حدث أنني أعفيت نهائيا من الخدمة العسكرية  فطالت مدة بقائي في هذا المعمل الى السنة التالية حيث سافرت الى العراق .
** في هذه الفترة كنت أسير بخطوات سريعة في التقدم في العزف على الجيتار وتعلم الرسم الى جانب تعلمي التصوير الفوتوغرافي  بطريقة أكاديمية في كلية الزراعة  حيث كانت تقام دورة للتعليم والتدريب على التصوير الفوتوغرافي .
** وفي هذه الفترة ايضا كنت أستخدم التوصيلات الكهربائية التي تعلمتها في مركز التدريب  وذلك بعمل وصلات كهربائية فنية  في المنزل أو عند الأقارب .
** كذلك فإنه في هذه الفترة التحقت بدورة  لتعليم اللغة الانجليزية  بمركز الخدمة العامة بكلية التجارة واذكر أنني استفدت استفادة كبيرة من اذاعة الشرق الأوسط  في تعلم اللغة الانجليزية وكنت أحرص على تسجيل حلقات الانجليزية من اجلك حتى بلغت أكثر من 30 شريط .
** وكانت جدتي تساعدني في تسجيل هذه الحلقات في أيام عدم تواجدي عندها  ، والى جانب شرائط علم اللغة لانجليزية سجلتا ايضا حلقات عن تعلم اللغة الفرنسية .
** وحرصت على شراء أي قصة باللغة الانجليزية  من القصص المقررة على المدارس الأجنبية وكنت أقرأ هذه القصص باستمتاع واستعين بالقاموس في ترجمة بعض الكلمات .
(( تعلم اللغة الانجليزية وشخصية مستر جون ))
** أما في مركز تعليم اللغة الانجليزية بكلية التجارة  أذكر الاستاذ / جون ،  وهو مدرس أمريكي  من أصل أوروبي  تظهر عليه علامة الطيبة والسماحة وعلمت منه أنه مسلم عن اقتناع شديد ويقوم بأداء العبادات والفرائض ، وذات يوم تعمدت أنا وصديقي التجول معه في شارع الكورنيش  وفي الطريق وجدته يتحمس في الحديث عن الاسلام لدرجة انه يقف في وسط الطريق من شدة انفعاله ويقول لنا ما معناه باللغة الانجليزية  ان الاسلام يعطي الانسان قوة كبيرة وان المسلمين لو كانت درجة اسلامهم 10%  لما أصبح حالهم بهذا التدهور .
** وعندما كنا نسأل مستر جون عن الحال في أمريكا وأملنا في السفر اليها كان يرد علينا ردا عنيفا بما معناه أن أمريكا بلد الانحلال الخلقي  والمادة فيها تحكم كل شيء .
** كان مستر جون من الشخصيات الغريبة التي جعلتني أتأمل في طبائع البشر  وأعيد تفكيري في الالتزام الديني والحرص على الصلاة في أوقاتها
** وفي هذا المركز أيضا أذكر الاستاذ / بولس - وهو مصري مسيحي أعجبني بشدة  تعمقه في اللغة الانجليزية  وأصولها .
** فعندما كان يشرح لنا كلمة انجليزية يحللها ويرجعها الى أصولها ويعطي لنا مرادفات كثيرة لها وكان هذا المدرس يرضي شغفي  بالبحث عن الأصول في كل شيء والبحث عن الأسباب وعدم قبول الأشياء على علتها .
(( مرافقة سائحة في طريقها الى بيت الشباب ))
** وفي صباح أحد الأيام عندما كنت ذاهبا الى عملي بشركة الأقطان  بالقرب من الشركة لمحت سائحة تحمل حقائبها على ظهرها  وتسأل مهندسا بالمعمل عن بيوت الشباب ، تقدمت اليها لارشادها عن الطريق المؤدي الى بيت الشباب هو شارع بورسعيد بمنطقة الشاطبي  وأوضحت لها أن هذا المكان بعيد  ويمكن له ركوب الاوتوبيس  أو التاكسي  ولكنها كانت مصرة على أن تعرف الطريق حتى تصل اليه مشيا على الاقدام .
** وبعد انصرافها بعدة خطوات ، اقترحت على مهندس المعمل أن اصطحبها في مشيها الى هذا المكان  للتدريب على استعمال اللغة الانجليزية ، وافق المهندس على الفور كما لو كان هو الذي يطلب ني ذلك
أسرعت ورائها وعرضت عليها انني اوصلها الى بيوت الشباب واقت  أن أسير معها .
وفي الطريق تحدثت معها كثيرا واختلقت الموضوعات الكثيرة وسألتها عن بلدها وقالت ( اوستريا ) أي النمسا  وانها جاءت بالباخرة وسألتها عن هواياتها فقد تكون لها هواية الرسم أو الموسيقى فقالت لي أن هوايتها السفر ، وتحدثت معها عن الآثار ولاحظت أنها تعرف البعض عنها ، وعرفتها عن الأماكن التي يمكن ان تشتري منها هدايا تذكارية وفي الطريق صادفتنا معاكسات من بعض الأطفال كانت تتقبلها بابتسامة ولطف ، وتركتها أخيرا ببيوت الشباب في الشاطبي بعد مسافة طويلة قضيتها في كلام متعثر باللغة الانجليزية ولكنني استفدت الكثير منها من حيث اللغة والثقافة ايضا .
(( مرافقة شخص كوري للتحدث بالانجليزية ))
** يوم آخر عندما كنت أنزل من بيت جدتي مهموما من شيء ما ولم أجد مهربا من هذه الهموم إلا الى الذهاب الى محطة الرمل والتجول بمفردي وسألني أحد الأجانب ويبدو أنه من شرق آسيا  عن رقم الاوتوبيس الذي يؤدي الى فندق الحرم فقلت له باللغة الانجليزية  ما معناه أن الفندق ليس بعيدا  ويمكن الوصول اليه سيرا على الأقدام  وعرضت عليه ان ارافقه السير .
** ومشينا حتى وصل الفندق  وعلمت أنه مهندس يعمل بالسعودية  وهو من كوريا  وجاء الى مصر للسياحة وحدثني عن برنامج رحلته  السياحية  وتشمل زيارة القاهرة والأقصر والاسكندرية وحدثني عن ديانته وهي البوذية وشرح لي بالارقام والنسب المئوية عن تعدد الأديان في بلده ، ودعوته لتناول الشاي وقبل الدعوة  وحدثني عن طريقة خاصة لتقديم الشاي في بلدهم  لكني لم افهمها .
وحدثني عن السعودية وأنهم لا يسمحون لغير المسلم دخول بعض الأماكن مثل مكة المكرمة
وخلال الحديث علمت أنه ليس متدينا بل أنه يحب النساء وعندما سألته عن أيهما أجمل الكوريات أم االمصريات فقال لي المصريات ، ويبدو لي أنه قال ذلك لأنه يريد أن يتعرف على امرأة مصرية .
** وكانت أيضا لهذه المحادثات فائدة لغوية وثقافية .
(( وشخص أمريكي يبحث في الصوفية ))
** وشخص آخر تعرفت عليه عن طريق مكتبة البلدية كان أمريكيا يقوم بعمل بحث علمي عن الصوفية ويتطلع على الكتب الصوفية القديمة بالمكتبة ورافقته أيضا بالطريق للتحدث معه ولكنه كان يتحدث أغلب الوقت باللغة العربية ولكني استفدت منه ثقافيا أكثر من لغويا حيث علمت أن الصوفية وكثير من الأمور الدينية محور اهتمام للباحثين الغربيين .
** ورغم محاولاتي العديدة للتدريب على استعمال اللغة الانجليزية إلا أنني تيقنت أنه لابد من السفر الى الخارج  لتعلم اللغة وعلقت أمل كبير على السفر للخارج رغم صعوبة تحقيق هذه الأمل .
** وكان من الصعب الحصول على الأموال اللازمة للسفر من أعمالي الموسمية ومن الصعب أيضا الاقتراض من خالي لأنه يسعى الى السفر أيضا وهو في ظروف مادية صعبة ايضا نتيجة فسخه لخطوبته ومشكلات مادية ترتبت على ذلك .
** ومن الأسباب التي جعلت السفر الى الخارج صعب المنال هو انتظار دوري في التقدم للخدمة العسكرية وكان شبح الخدمة العسكرية أمامي دائما حيث أنني كنت أعتبر الخدمة العسكرية تقتل الابداع وتقتل الشخصية وتجعل الشخص كالآلة التي تعمل ولا تفكر وتأخذ الأمر وتنفذه بدون تفكير 
 (( الاستعداد للخدمة العسكرية ))
** ذهبت مع ابي الى أحد الأقارب الذين يعملون بالجيش لكي يتوسط لي بالدخول في البحرية فقد تكون أهون من الخدمة في الجيش الأصفر حيث الصحاري والأماكن الصعبة .
** وعندما كنت أقول لوالدتي أنني من الممكن أن أكون معافا بسبب قصر النظر كنت أجدها وقد بدا على وجهها الحزن  بل أنها صرحت لي بأنها تتمنى ألا أكون معافا من الخدمة العسكرية .
** تقدمت الى الكشف الطبي دون انتظار وساطة  وقبل يوم الكشف جمعت أصدقائي  بالمرسم وعزمتهم على رحلة الى مزرعة الكلية حيث الطبيعة الجميلة  بمناسبة اقدامي على الخدمة العسكرية بعد أيام قليلة ، وأثناء هذه الرحلة كنا نضحك كثيرا كما ولو كان اليوم هو آخر أيام الضحك  والتمتع بالحياة المدنية الحرة  بل وكأنه آخر يوم في حياتي .
** وجاء يوم الكشف الطبي وقفت في الطوابير الطويلة بكل خضوع للعساكر الذين يأمرون ويشتمون وتذكرت مقولة أن الانسان قبل ان يدخل الى الجيش يلقي بكرامته في الأرض .
** كنت أشعر بانقباض يقتلني وانتظر الدقائق وكأنها ساعات طويلة
** دخلت لاجراء الكشف الباطني والطول والوزن  وعندما دخلت الى كشف النظر قلت للطبيب ان نظري(– 6 ) فقال لي : طيب ليه ماحطتش قطرة ؟ روح حط قطرة ، ذهبت لوضع قطرة للمرة الثانية  ثم ثالثة ايضا  وبعد الكشف  قال لي : انتظر  بالغرفة المجاورة
** اطمئن قلبي قليلا عندما وجدت أنني ضمن مجموعة من غير اللائقين طبيا .
** وبعد فترة  طلبني مرة أخرى لاعادة الفحص بواسطة لجنه وعلمت أن اختلافا بينهم في التشخيص فيقول أحدهم ( ممكن يمشي ) فتحيرت حول كلمة ممكن يمشي هل يمشي الى الداخل أم الى الخارج ولكني لم أرتاح إلا عندما تأكدت أنني معاف طبيا .
** شعرت فجأة بأن المكان الذي رأيته ضيقا وكئيبا أصبح واسعا ورحبا .
** رجعت الى المنزل ازف اليهم هذا النبأ وجدتهم جميعا يفرحون لفرحي .
** شعرت بأنني انطلقت أمام طريق جديد وأمل جديد في السفر الى الخارج
(( العزم على السفر الى الخارج ))
** فكرت ان اسافر مع احد تجار الشنطة  ولكني سرعان ما تراجعت
** في هذه الفترة كان خالي يسعى الى السفر للعراق وأخذ أجازة من عمله لهذا السفر ولكنه استطاع أن يحصل على عقد عمل بالكويت  بالتدريس في أحد معاهد التربية الخاصة .
** شعرت بأمل في أن ألحق بخالي في الكويت .
** بدأت الالتحاق بالخدمة العامة ( بدلا من الخدمة العسكرية ) في مركز من مراكز الحزب الوطني بالمنشية وكان المكان كئيبا والمكاتب مظلمة والستائر غير معروف لونها بسبب عدم نظافتها .
** اندهشت  بأنني وجدت العاملين بهذا المكان يشتمون في الحكومة وفي نفس الوقت أجدهم يتعاملون مع مكاتبات كلها مديح في الحكومة والنظام الحاكم .
** كنت أتعجب لأمر هؤلاء المنافقين والذين لا ينالوا على نفاقهم سوى القليل من الأموال التي يتقاضونها  مقابل التواجد في هذه الحجرات المظلمة الكئيبة .
** ورغم عدم وجود عمل لكثير من الموظفين إلا أنهم كانوا يرغموننا نحن المكلفين بالخدمة العامة بالالتزام  بالمواعيد في بعض الأحيان .
(( الاصرار على تغيير مكان الخدمة العامة ))
** وشعرت أن تواجدي بالخدمة العامة في الحزب الوطني يعطلني كثيرا عن الذهاب الى قصر الثقافة الذي اعتدت أن أمارس فيه أنشطتي الكثيرة .
** طلبت من رئيس المركز بالحزب الوطني – وكان مدرسا بالجامعة – أن يوافق على نقلي الى مديرية الثقافة حتى أستطيع القيام بعمل يناسبني كالاشراف على المعاررض الفنية أو غير ذلك من الأنشطة الثقافية بقصر الثقافة ، أو على الأقل لكي أكون متواجدا بين أصدقائي  وفي مكان نظيف ماديا ومعنويا أيضا .
** لم أقل لرئيس المركز هذا الكلام طبعا ولكنني ذكرت له بأن الهدف من رغبتي في النقل أن أحقق الهدف من الخدمة العامة  وهو خدمة بلدي .
** ولاحظت أنني عندما كنت أذكر كلمة ( بلدي ) أجد تبدلا لملامح الشخص المسئول وكأنه يقول لي ما معناه أن هذا الكلام مستهلك ومعروف .
** لم يوافق على نقلي إلا بعد تعقيدات كثيرة ، والحاحات وانتظارات  لمكالماته التليفونية التي لا تنتهي وكأنه يعمل في مركز أبحاث الفضاء .
** لم يوافق إلا بعد تأجيلات تلو التأجيلات وصيغات خبيثة من التأشيرات المعلقة ، رغم أن الأمر لم يكن مستدعيا لأكثر من نصف دقيقة لقراءة الطلب والموافقة عليه والتوقيع فورا .
(( العمل بقصر الثقافة ))
** وبعد فترة شهرين قضيها في الخدمة العامة في الحزب الوطني انتقلت الى قصر الثقافة لتأدية بقية المدة تحت عنوان مشرف بالمرسم .
** ولم يكن هذا المكان غريبا بل هو مكاني الذي أقضي فيه أحلى أوقاتي في هذه الفترة .
وفي هذه الفترة كنت ازيد من نشاطي في تعلم الموسيقى  والرسم وقراءة الكثير عن الفنون بصفة عامة .
** كذلك كنت في قمة اهتمامي باللغة الانجليزية  وأصبحت كثير من قراءاتي  بالكتب الانجليزية وأهملت قراءة الجرائد والمجلات العربية من أجل تعلم الانجليزية .
** وكثيرا ما كنت أشتري الكتب القديمة  من شارع العطارين وشارع النبي دانيال .
 (( القطة سونيا ))
** في كثير من المرات عندما أجد قطة تصيح على السلم انقلها الى مكان أمين على السلم وأقدم لها الطعام حتى تهدأ .
** وذات يوم اثناء زيارة جدتي  لاحظت قطتين صغيرتين  تصيحان على السلم قدمت لهما الطعام  في طبق ووضعتهما  بجوار الباب خارج الشقة .
** وفي اليوم التالي وجدت قطة واحدة  تصيح بمفردها  كما لو كانت تبحث عن اختها أو تبحث عن مكان أمين دافئ يعوضها  عن الدفء الذي افتقدته من أختها وأمها .
** أدخلت القطة شقة جدتي على أمل تربيتها  لفترة معينة حتى تكبر  ثم نطلقها الى الشارع كي تعتمد على نفسها .
** لكن استطاعت هذه القطة أن تنال عطفنا أنا وجدتي في منزلها لمدة طويلة وكان لهذه القطة طباع غريبة فهي تهوى اللعب كثيرا ودائما تقوم بالحركات الغريبة المتجددة .
** وكثيرا ما كنت أقضي أوقاتا تبلغ اكثر من ساعة في مداعبتها .
** وكان لهذه القطة من الذكاء يجعلها تسبق جدتي الى مكان الصلاة بمجد أن تجدها تمسك بالمصلى .
** وعندما اقترب ميعاد سفر خالي الى الكويت أصبح من الصعب الابقاء على هذه القطة بالمنزل لأن جدتي سوف تبيت عندنا في كثير من الأيام بعد سفر خالي .
** فكرت في المكان الآمن الذي أستطيع فيه أن أنقل هذه القطة فلم اجد إلا زميلا لي بالمرسم وهو رجل كبير السن يهوى الرسم  ورقيق المشاعر .
** عرضت عليه هذا الأمر فوافق على الفور وأعطيت له القطة ولاحظ هو طباعها الغريبة وميلها الشديد الى اللعب .
(( الاطمئنان على القطة ))
** كنت أزور هذا الرجل في منزله لغرض الاطمئنان على القطة ، وكان هذا الرجل  بمجرد أن أذهب اليه  يقول لي ما معناه أنا أدري انك اتيت للاطمئنان على القطة .
** وحتى يجعلني مطمئنا يدخلني الى مكان أكلها والاطباق التي يضع فيها الطعام والماء .
** بعد سفر خالي كانت تضطر جدتي الى المبيت عندنا في محطة الرمل في بعض الأيام كما كان يوصيها خالي بألا تبات بمفردها .
 (( اصطحاب اختي الى نقابة الزراعيين ))
** أذكر أنني في هذه الفترة وأثناء عطل التليفزيون كنت أصطحب أختي الصغيرة الى نقابة المهن الزراعية بعد الافطار في رمضان لمشاهدة التليفزيون الملون  ثم نرجع بعد ذلك الى المنزل ثم أواصل الذهاب الى الخدمة العامة والى اصدقائي للتنزه حتى السحور  ، كنت أفعل ذلك مع أختي وأخوتي الآخرين أيضا وكأنها واجبات لابد من تأديتها تخفيفا عن حالات الاقتضاب التي كنت استشعرها منهم .
** كانت أختي الصغرى عبير أكثر حظا لأنني كما سوف يأتي الذكر فيما بعد كنت اعاملها معاملة الأب وكنت أشعر بارتياح شديد عندما ارى فيها انطلاقة الطفولة والشباب التي افتقدناها  . 
** من ألأعمال التي عملت بها في هذه الفترة مندوب مبيعات لصالح أحد الاطباء الذي يقوم بتوزيع مستلزمات الصيدليات من بعض الأدوية والاكسسوارات  ولكنني لم أنجح في هذا العمل وقد يكون سبب هذا الفشل عدم قدرتي على التحدث باللغة التجارية وعدم اجادتي التمثيل والخداع من أجل ترويج السلع
(( مداومة الزيارات الى بيت أبناء عمة والدتي )) .
** وفي هذه الفترة أيضا ازدادت صلتي بأبناء عمة والدتي ( سمير ونبيل وصفاء ) وهم الأقرب الينا في الطباع  من حيث الصراحة والوضوح والالتزام الخلقي .
** عندما أذهب اليهم أشعر بالأمان والارتياح واتكلم معهم بلا خوف من ذلة لسان وما شابه ذلك كنت أشعر بأننا نتكلم لغة واحدة ويفهم كل منا الآخر ولم أنسى موقفهم الشهم باقراضنا جزء من المبلغ اللازم  للعزال
** وعندما أنجبت بنت عمة والدتي ابنها الوحيد فرحت كثير وكأنني اصبحت خالا لهذا الطفل وحرصت على مداومة زيارتهم ومتابعة نمو الطفل الجسمي والاجتماعي وحرصت على شراء الهدايا البسيطة له  بعد اختيار دقيق لها فاشتري له على سبيل المثال أورج – جيتار - اكسيلوفون – تلسكوب – بوصلة – كتب أطفال .
** وفي منزل هؤلاء الأقارب كنت أشاركهم العمل في معمل طبع الصور الفوتوغرافية ( ابيض واسود ) حيث كانوا يخصصون غرفة في المنزل لهذا الغرض ، وكثيرا ما كنت أمارس التصوير الفوتوغرافي وأطبع الصور عندهم .
** ولكن لم تدم عملية الطبع طويلا لبدء انتشار آلات الطبع  الملون التي لم تكن في استطاعتهم  شرائها .
(( بداية الميل الى السفر ))
** عندما ذهبت لاستقبال خالي في المطار بعد عودته  من الكويت في أول سنة  ورأيت المسافرين وهم يغادرون  ويرجعون شعرت بزيادة الميل الى السفر للخارج .
** وعزمت وصممت أن أسافر بمجرد حصولي على  ثمن تذكرة الطائرة ... وصرحت في هذا اليوم الى ابن عمة والدتي / سمير  الذي كنت انتظر معه خالي  بأنني لابد أن اسافر .
** لكنني تحفظت معه كثيرا في التحدث بشأن السفر لأنني أقدر ظروفه وعدم قدرته على السفر خارج مصر لأنه ضابط بالقوات المسلحة  ودائما يشكو من النظام العسكري الصارم .
(( العزم على السفر والاستعدادات المادية والنفسية ))
** وعندما رجع خالي من السفر استشرته في فكرة السفر وابدى استعداده  بمساعدتي باقراضي المبلغ اللازم  للسفر وهو 500 جنيه وكان هذا المبلغ يكفي  الذهاب والعودة أيضا  الى كثير من الدول
** بدأت ابحث عن فرصة للسفر مع الأفواج السياحية للطلبة خلال العطلة الصيفية الى فرنسا حيث يعملون في الأعمال الزراعية الصيفية ، وحاولت مع عديد من القنصليات الأوروبية ولم استطع  ولم يبق إلا البحث عن فرصة للسفر الى الأردن أو العراق  لسهولة السفر الى هناك بدون تأشيرة ... وبحثت عن البواخر التي تؤدي الى الأردن  ولكني تراجعت عن فكرة البواخر .
** وأخيرا ذهبت الى مكتب حجز الطيران وحجزت الى الأردن والتي منها أتجه الى العراق عن طريق الأوتوبيس 
** ولم تكن هذه المحاولات العديدة سريعة مثل طريقة عرضها في المذكرات وانما كانت تستهلك مني وقتا وجهدا ومشاورات  حتى توصلت الى القرار النهائي وهو السفر الى العراق .
(( محاولة السفر الى فرنسا ))
** ففي أثناء محاولتي للسفر الى فرنسا دفعت ى200 جنيه الى أحد الطلبة والذي يعمل بشركة سياحية وهو من المنظمين لأفواج السفر الى فرنسا  وبدأت استطلع الخرائط لفرنسا ومارسيليا وأماكن المزارع وكيفية التحدث باللغة الفرنسية الى صاحب العمل والى زملاء العمل .
** وأذكر يوما ذهبت فيه الى أسرتي حيث يقضون يوما في نادي الشاطئ للمعلمين وبشرتهم بأنني سوف اسافر الى فرنسا يوم 5 أغسطس 1981
** وأذكر أنني في هذا اليوم وجدت على وجوههم نوعا من القلق والاضطراب من وقع هذا القرار المفاجئ
** ولكن بعد ذلك وجدت والدتي تتقبل هذا القرار وتعبر عن رضاها  وتمنياتها لي بالتوفيق بل انها أبدت استعدادها لسداد هذا المبلغ لخالي في حالة فشل هذه الرحلة ، وكانت تبدي هذا الاستعداد .. طبعا ... حتى تبعد القلق عني وتجعلني أواجه صعوبات السفر بكل اطمئنان وحتى لا تجعلني أجازف بأي عمل  من أجل الحصول على المال .
** وفي هذه الفترة التي كنت انتظر فيها تأشيرة السفر كنت اعد نفسي للسفر  وعندما علمت بعدم النجاح في الحصول على التأشيرة  لم اصطدم بذلك بل نقلت تفكيري الى السفر الى العراق، وبدأت أعد نفسي للسفر الى العراق أوالى أي مكان متاح  .
** كنت أفكر في قضاء الفترة القليلة الباقية قبل السفر كما كما لو كانت هي آخر أيامي وقليلا ما كنت أفكر في المرحلة المقبلة  التي بعد وصولي الى العراق
** كنت أتخيل واتوقع شوراع بغداد مثل شوراع القاهرة العتيقة لأنها مدينة قديمة  قدم الدولة العربية الاسلامية الأولى ، وأعددت نفسي لكي أستفيد من السفر ثقافيا ونفسيا .
** لذلك عزمت على ألا اصطحب أي زميل أو مصادقة أي شخص في الغربة إلا بعد اتخاذ جميع الحسابات والاحتياطات وخاصة لما سمعته عن المصريين في الخارج .
** وفي هذه الفترة قبل السفر كنت أدرب نفسي على عملية التحدي والثقة بالنفس وعدم التردد وعدم التراجع  ، ويبدو أنني نجحت في هذا التدريب  وتحديت كل ما سمعته من تخويف من السفر الى العراق وخاصة أثناء الحرب مع ايران .
البعض يقولون حرب والآخرين يقولون كوليرا وآخرين يقولون حر وضربات شمس  ونزيف ، وآخرين يقولون افلاس شديد وامراض نفسية وحزب البعث .
** تحديت كل هذه المواقف  وذلك ليس نتيجة تشجيع البعض وانما نتيجة دافع داخلي قوي يشبه انطلاق المارد  من القمقم
(( لم يكن والدي مشجعا لسفري ))
** وحقيقة أنني لم أجد التشجيع الكافي الذي يجعلني أقاوم كل هذ المخاوف بل كان والدي يقول لي (حتندم وترجع ماشي على رجليك)  وغير ذلك من العبارات  المثبطة والتي كانت تزيد  الصراع عندي بين الرغبة والرهبة .
** لم يشغلني اعداد نفسي معنويا عن اعداد اسرتي معنويا أيضا لتقبل هذا الحدث الذي سوف يجد عليهم وهو بعدي عنهم ، وهم المعتادون على رؤيتي بينهم دائما بالحيوية الزائدة عندما أرجع من العمل ثم أغير ملابسي بسرعة  واتناول الغذاء بسرعة حتى أقوم الى الجيتار وأعزف عليه  ثم أذهب الى جهاز التسجيل لسماع احدى الأغاني واسماعها اليهم والترفيه عنهم بشراء الشرائط التي يرغبونها واصطحابهم الى الرحلات المختلفة ومحاولة اضحاكهم وانتزاع البسمات من اكتئابهم في كثير من الأحيان .
(( انشغالي بأحوال أسرتي ))
** كنت أفكر في حالهم ماذا سيحدث من بعد سفري وخاصة أن أخي يختلف عني في الاطباع فهو لا يفكر إلا في دراسته وشئونه الخاصه وقليلا ما يهتم بما أهتم به .
** فهو يذاكر بصوت عالي بجوار حجرات النوم دون مراعاة أخواته الذين يضيقون بهذا الصوت الذي قد يمنعهم من النوم أو المذاكرة ، كان ذلك رغم أنه  لا يتحمل صوت راديو خافت أثناء مذاكرته .
** وكان يشغلني أيضا عصبية أخي واندفاعه في الكلام الذي يمكن به استثارة أبي وحدوث مشكلات كبيرة في البيت وجو متوتر لا يطاق .
** يقترح علي أصدقاء المرسم وهم من أخلص الأصدقاء أن أذهب معهم لتغيير جو في منطقة ريفية بالعامرية وقضاء ليلة او ليلتين هناك في بيت لأحد منهم أوافقهم على الفور لسبب هام وهو تعويد أسرتي على مفارقتي  لهم بعد السفر .
** ولنفس هذا السبب أيضا ذهبت الى بورسعيد بمفردي لقضاء ليلتين خارج المنزل ، ولشراء بعض المستلزمات وكانت هذه هي أول مرة أشاهد فيها مدينة بورسعيد .
أذكر أنني حاولت الذهاب الى العريش من بورسعيد لكنني لم أتمكن لأن الأحوال لم تكن قد عادت الى طبيعتها في المدينة .
** ولاعداد أسرتي معنويا أيضا اصطحبت أخوتي البنات للذهاب الى القاهرة لقضاء يوم كامل في حديقة الحيوانات ومنطقة الأهرامات .
** وكان هدفي من ذلك هو اشباعهم بالرحلات حتى لا يشعرون بنقص في الناحية الترفيهية خلال فترة سفري
وأذكر أيضا انني اصطحبت اخوتي البنات الى رحلة الى انطونيادس وحديقة حيوان الاسكندرية وكنت أتعمد معهم أن نجري بكل انطلاق في الحديقة بطريقة غير مسبوقة من قبل من أجل أن يتحرروا  من أنطوائهم وكبتهم الذين تعودوا عليه خاصة نتيجة النشأة في حي شعبي منعزلين عن الجيران .
** وقبل السفر بعدة ايام تخلصت من جميع ديوني القليلة ووحدت ديوني كلها مع خالي وسحبت أموالي القليلة التي كانت شهادات مجموعة ج ولم تتعدى العشرين جنيه ونقود أخرى تذكارية بعتها الى خالي  فعلت ذلك لأنني ربما أموت في هذه الرحلة المجهولة  وأكون سببا في انشغال من حولي بأموال قليلة مبعثرة .
** وقبل السفر بيومين تقريبا تجمع أصدقاء المرسم عندي بالبيت لأجل توديعي وشعرت في هذا اليوم أنهم أوفى الأصدقاء وأنهم أقرب الاصدقاء وقد ظهر ذلك في لفتات خاصة كان منها اعطائي أجندة لكتابة العناوين باعتبارها من أهم ما يحتاجه المغترب .


 [e1]تربية الر باضية
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق