** مقالة عن الدروس الخصوصية نشرت في جريدة الاسكندرية والعالم العدد ( نوفمبر 2001 ) باب اضحك قه قه ، تم نشرها بالجريدة باسلوب التحقيق الصحفي ، لأنها نابعة من لقاءات ومحادثات تمت فعليا أثناء العمل موجها بالتربية والتعليم وأثناء متابعة العديد من المدارس والتعرف على آراء ونماذج كثيرة من الشخصيات .
((( مقالة عن
الدروس الخصوصية بجريدة الإسكندرية والعالم )))
(( العدد نوفمبر 2001 - باب اضحك قه قه ))
مع بداية العام الدراسي الجديد تبدأ الحكايات عن هموم المدارس وعن المناهج
والدروس الخصوصية ، ومن أكثر الحكايات التي اخترقت أذني محادثة بين سيدتين بدت
عليهما علامات الشقاء :
- ما تعرفيش ياختي مدرس كيميا كويس عشان الواد ابني ف تانية ثانوي ؟
- جاية دلوقتي تدوري على مدرس ؟ دول محجوزين من السنة اللي فاتت ، على
العموم ممكن تلاقي الاستاذ / س عنده
مجموعة 9 انفار ومحتاج واحد عاشر وهو مدرس كويس مش بطال وطلباته قليلة 100 ج في
الحصة بس .
** كانت هذه المحادثة
القصيرة دافعا لي للبحث في مشكلة الدروس
الخصوصية التي ازداد الطلب عليها في
الآونة الأخيرة .
** في أحد المدرسة الابتدائية بمنطقة شعبية سألت أحد التلاميذ بالصف الثالث الابتدائي :
- انت بتاخد درس في البيت ياحبيبي ؟
- ايوه باخد درس عند ابلة / ص في
بيت جنبنا وكل زمايلي في الفصل بيروحوا
عندها .
- ليه ؟ انت ما بتفهمش في الحصة ؟
- لأ الأبلة على طول بتقول
اسكتوا ياولاد وما بيسكتوش ، وتقعد تصحح في الكراسات .
- كام ولد عندكم في الفصل ؟
- 90 ولد .
** ثم وجهت حديثي الى أحد المدرسين / ع معروف بأنه لهلوبة في الدروس ، لم ينكر ع
انه يمارس الدروس الخصوصية وكان كلامه كالآتي :
- أنا مرتبي 100 جنيه وبجميع الزيادات لا يصل الى 200 جنيه ، وعشان أقدر أعيش واكل فول وفلافل ، ولحمة مجمدة ، وسمك شخورة ، لازم يكون دخلي لا يقل عن ألف جنيه .
** وأضاف : ان الدروس الخصوصية شيء واجب وحتمي
للتلميذ والحصة المدرسية ما تكفيش
اني اشوف 100 كراسة واسأل 100 تلميذ ، وانا ما بدورش على الدروس ، أولياء الأمور هم
اللي بيطلبوا الدروس ويتصلوا بيه ، ودي
شغلانه أصلا متعبة وحرق اعصاب ربنا يغتينا
عنها ، بس الواحد يعمل ايه قدر ومكتوب علينا ، يمكن تكون أمي الله يرحمها دعت عليـــّه
زمان والله أعلم .
** وبدون مقدمات اندفع مدرس آخر بذات
المدرسة الابتدائية ليقول لي :
- أنا ياأستاذ مش بتعاطى الدروس
الخصوصية، أنا من المدرسين الشرفاء اللي قال عنهم الوزير، وف شغلي أعجبك قوي، كراسة التحضير
جاهزة ماضي عليها الوكيل
والناظر والمدير والموجه وياريت يمضي عليها الفراش ، مفيش مانع ، وباحضر الحصة بتاعتي م الجرس للجرس ، واقلب الحصة ورا الحصة ، وانزل دوغري القط عيشي
في شغلانه تانية بعيدة عن وجع
الدماغ
** سألته عن الشغلانة التانية ، أجابني
:
- مرة افرش بهدوم
في منطقة الساعة ومرة باكسسوارات
ومرة أروح ورا مقاول وربنا هو الرزاق .
** وفي احدى المدارس الاعدادية :
** كان لي لقاء مع الاستاذ / م مدرس رياصيات وتبدو عليه علامات الاستذة ، فهو مدرس متميز
وناجح كما علمت من زملائه وأعلن أنه يتقاضى
من الدروس أضعاف مرتبه ، ورغم ذلك فإن
دخله لا يسمح له بشراء عربية خردة ، ولا المعيشة العادية التي عاشها مع والده الموظف سابقا ، يقول
الاستاذ / م :
- ان الدروس الخصوصية تأتي الى المدرس
مكافأة له عن كفاءته في الشرح وتميزه عن
زملائه ، وأن غالبية المدرسين لا يعتمدون على البحث عن الدروس ، ولكن أولياء الامور هم الذين يلجاون
الى البحث عن الدروس الخصوصية
** مع أولياء الامور
كان هذا الكلام دافعا لكي استجوب
أحد اولياء الامور عن شغفه في البحث عن
مدرس .
- دخلي ضعيف وعايز اربي عيالي احسن تربية ، وما اقدرش احرم ابني انه يجيب
مجموع كويس ، ويدخل ثانوي ، أوالكلية اللي عايزها ، والدروس بقت مشكلة وبتاكل ميزانية البيت ،
واللي يزود المشكلة اني ما عرفش أعمل ايه
، والواحد بيدفع للدروس اضطراري كما لو
كان بيدفع فلوس للعلاج .
** وفي لقاء آخر مع احدى السيدات والدة تلميذ
تقول أنها باعت كل اساورها وذهبها عشان الدروس
لعيالها ، ولا تعرف ماذا تبيع فيما
بعد .
** انتابني احساس بالشفقة على أولياء الامور
وسألت أحد المدرسين / ن :
- هل المدرسين يتعمدون ارغام التلاميذ على الدروس الخصوصية ؟ كان رده الآتي
:
- بعض المدرسين يفعل ذلك ، ولكن من
يفعل ذلك هو بالتأكيد شخصية غير سوية ،
والغير أسوياء نسبتهم أكيد قليلة بأي مجتمع ، ونموذج هذه الشخصية متواجد في جميع
الوظائف ، فكثير ما نسمع عن طبيب جراح
يتحايل من أجل اجراء عملية جراحية لا لزوم لها ، إلا لغرض الحصول على
المزيد من المال ، وأنه ليس من العدل
تركيز المنظار على المدرس وتعميم حالات الانحراف الفردية ، فالمدرس له احترامه ومكانته الاجتماعية الخاصة ومن الواجب التحفظ في التحدث عن اخطائه وخاصة أمام التلاميذ والأطفال
** وفي احد المدارس الثانوية :
سمعت رأيا لأحد المدرسين / ل ، يقول :
- أن نظام الثانوية العامة الحديث
فتح الأبواب للدروس الخصوصية وتحولت المدارس الى بورصات للتقاول مع المدرسين وأن الطلبة لا يعتمدون على
الحصة المدرسية ، والمدرس غالبا ما يجد
صعوبة في تأدية واجبه الكامل في الحصة ،
لأن غالبية التلاميذ يعتمدون على الدروس الخصوصية ولا يعطي اهتماما لمدرس الفصل .
** ومن رأيه الخاص :
- أن الحصة في المدرسة أكثر امتاعا
للمدرس من الدرس الخصوصي الذي يتم تحت ضغوط نفسية
من حيث تواجد أولياء الأمور بالمكان
وعدم الحرية في التحرك هنا وهناك كما يحدث بالفصل ، فالمدرس الكفء هو اشبه بممثل المسرح الذي يتعامل
بكل امكاناته الفكرية والصوتية والشكلية
والحركية ، كما أن الفصل يتيح له استخدام وسائل تعليمية متنوعة منها النماذج المجسمات والصور والرسوم التوضيحية
** وأضاف أحد المدرسين / هـ قائلا :
- أن الدروس الخصوصية ليست نظاما حديثا
من النظم الاجرامية كما وصفه
البعض وانما على العكس من ذلك هو نظام قديم تعلم منه جميع الشخصيات التاريخية العظيمة ، وان العودة الى النظم
القديمة يعتبر دليلا على خلل في
النظام الحديث ، وظاهرة الدروس الخصوصية أراها تراجعا الى نظم المدارس الأهلية والكتاتيب
، وما قبل ظهور النظام الدولي الحضاري الذي يحتضن الأفراد جميعا ويوفر لهم كافة احتياجاتهم مقابل ولائهم
وانتمائهم لهذا النظام .
** وقبل ان يسترسل هذا المدرس في موضوعات جديدة متشعبة سألته ما الحل اذن للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية التي تشكل عبء كبير على اولياء الامور؟
** أحابني الاستاذ / هـ :
أن مشكلة الدروس الخصوصية مشكلة اقتصادية
تؤثر عليها قوتي العرض والطلب وكلما اوجدت الدولة نظاما تعليميا سليما كلما قل
الطلب على الدروس الخصوصية ، وأن مما يحدث حاليا هو رد فعل طبيعي لما وصل اليه التعليم من تدهور وغياب دور المدارس
النظامية في سوق التعليم
- إذن انت ترى أن لعلاج المشكلة هو مزيد من الاهتمام بالمدارس واعداد المدرسين لزيادة العرض في سوق التعليم النظامي
كما تقول ؟
- ولا ننسى أننا نحن المدرسين اولياء أمور
ومواطنين عاديين ويهمنا
الصلاح العام لكل شيء في بلدنا .
** وفي كلية التربية جامعة الاسكندرية كان هذا الرأي :
- الدروس الخصوصية ظاهرة طبيعية في كل نظم التعليم في مصر والعالم ونشأت نتيجة الاختلافات الفردية بين الناس واستجاباتهم للتعلم والقاعدة أن الغير عادي دائما يكون أقل من
العادي في جميع النظم عامة ، ولكن عندما
يتساوى الاثنان أو يتفوق الغير عادي فيعتبر
ذلك مؤشرا الى خلل غير طبيعي ، يجب
التصدي له ، ولعلاج ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية لابد من التعرف على أسبابها :
1) أسباب ترجع الى المناهج وصعوبتها ، وهي قابلة للحل .
2) أسباب ترجع الى نظام الامتحانات
التي تعتمد على قياس الذاكرة مما
يجعل للدروس الخصوصية الاضافية ضرورة لمساعدة الطالب على الحفظ .
3) أسباب ترجع الى ضرورة اعداد المعلم أكاديميا ونفسيا وتلبية
احتياجاته المادية التي تجعله
مترفعا فوق البحث عن الدروس
4) أسباب ترجع الى كثافة الفصل التي يجب أن تقل عن طريق بناء عدد من المدارس أضعاف
الحالي منها .
5) عدم تفعيل الأنشطة التربوية التي تجعل الطالب أكثر ارتباطا بالمدرسة
إعداد علاء عبد العليم
هذا بالإضافة إلى سبب آخر وهو شدة التكالب على الحصول على أعلى الدرجات فقد
ظهرت في الآونة الأخيرة مصطلح ( تقفيل ) الدرجات أي العمل على الحصول على الدرجة
النهائية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق